المسلمون لله، فإنهم أهل فسادٍ ونفاقٍ وخَبَث". فخرجتُ إلى طوائف اليهود في خيبر وسقتهم مستقبلًا بهم الشام، فلما بلغنا غايتنا أقبل عليّ رجل من ولد الحارث أبي زينب اليهوديّ ثم قال لي: لقد كنت مسترضعًا فينا يا أبا عبد الرحمن، وكنت أنت وابن الأشرف رضيعي لَبَانٍ، فما لبث أن جاء هذا الدين واتبعتم ذلك النبيّ حتى قتلت أخاكَ ورضيعَك، وها أنت تخرجُنا من ديارنا وأرضِ أجدادنا، وترمينا في ديار الغُربة، فهلا كنت تركت كل ذلك لغيرك أيها الرجل! فقلت له: يا أخا يهودَ، لئن كنت قتلتُ رضيعي فقد قتل قومُك أخي محمود بن مسلمة غدرًا، وعرضتم لحرم رسول الله بالتشبيب والبذاءة والسفَهِ، وأردتم أن تغدروا بنبي الله وتدلوا عليه صخرة لتقتلوه، أفتظن يا أخا يهودَ أنَّا تاركوكُم تعيثون في الأرض فسادًا، وتكفرون النِّعم، ولا ترعونُ حرمة ولا ذِمامًا ولا عهدًا، وتتآمرون على المسلمين تحت الليل، وتعدون عليهم غارِّين آمنين؟ ووالله لقد صبر عليكم عُمَر صبرًا طويلًا، ولو كان حَزَّ رقابكم جزاءً بما تصنعون لقلَّ ذلك لكم.
قال ابن الحارث: لشدَّ ما تِهْتُم علينا أيها الناسُ، فوالله ليكونن لهذا اليوم الذي أذللتمونا فيه وفضحتمونا وأجليتمونا عن أرضنا وأرض آبائنا يوم مثله يكون لنا عليكم، فقد جاء في كتبنا أنه سوف يجئ يوم تدخل فيه اليهودُ على أبناءِ يعرب هؤلاء فتذيقهم بأسًا شديدًا وعذابًا غليظًا، حتى ترى اللُّقمة في يد المسلم قد أدناها إلى فيه فإذا على رأسه رجالٌ من أشدَّاءِ يهود تنفِّره حتى يدعَها لهم. ولتدخلنَّ نساؤنا على نسائكم حتى لا تبقى امرأة منكم إلا نامت بشرّ ليلةٍ ممّا تَلْقى من نسائنا، ولنسوقنكم كما سقتمونا حتى نجليكم عن ديار آبائكم وأجدادكم ولنفعلن الأفاعيل حتى تكون لنا الكلمة العليا ونحن يومئذ أحق بها. والله ما نصبر على ما آذيتمونا إلا انتظارًا لما يكون غدًا كما قال لنا أنبياؤنا. وكأني أنظر إلى غدٍ، فأرَى وجوه الأحباب من بني إسرائيل قد سقطت عليكم من كل فج كأنهم جرَادٌ منتشرٌ تأكل يابسكم وطريَّكم، ولا تدعُ لكم موطئ قدم إلا كان تحته مِثْل جَمْرِ النار. وإنكم لتقولون إن الله قد ضرب علينا الذلة والمسكنة. فوالله لئن