للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ذو العقل يشقى (١). . .

لولا أني أكره خلائق السوء، لما حملت هذا القلم لأرد به على هذا الذي تكلف مؤونة الجدال عن صاحبه (٢)، ولولا أنه كتب ما كتب في الرسالة، وهي مألف قديم يحن إليه هذا القلم، لما غلبني على ما أدبت به نفسي من هجر صغائر الأمور. ومن خلائق السوء عندي أن يجهد كاتب قلمه في نقد ما أكتب، ثم أغفل رده إلى الحق إن أخطأ، أو متابعته على الصواب إذا أصاب. ومهما يكن رأيي فيما كتب الأستاذ، فإني أجد الحق يلزمنى أن أعود إليه بالتذكير والإبانة، غير متلجلج في استنقاذه مما تورط فيه، ولا مستنكف أن يكون في بعض كلامي هذا تكرار لما قلت، مما أرجو أن يكون إنما غفل عنه غير متعمد إن شاء الله. وأنا أقدم بين يدي الأستاذ الفاضل، معذرتى في أن أسامحه فيما وصف به ما كتبت، وما وقر في نفسه وأبان عنه بقوله إني اندفعت في سياق منبرى، أسرد الأدلة الخطابية، وأستثير النوازع العاطفية. وكان خليقًا به قبل أن يقول ما قال، أن يعرف أسلوبي فيما أكتب، ثم ينظر إلى بعيني مبصر متحقق: أصحيح أنى ألجأ إلى الخطب المنبرية، والأدلة الخطابية، والنوازع العاطفية، أم الحق أنى أتحرى أمرًا أنا مسئول عنه بين يدي ربى، أو على الأقل: أعتقد أنا أنى مسئول عنه بين يديه سبحانه؟ ! وإذا كان كثير من الناس قد نسوا أنهم محاسبون يوم القيامة، فإني لم أنس بعد، وأسأل الله أن يعينني على أن لا أنسى، وإن عد الأستاذ الفاضل هذا الكلام أيضًا خطبة منبرية، أو استثارة عاطفية!

ولعل قراء الرسالة، لم يقرأوا ما كتبت في مجلة "المسلمون" (٣) ولست


• الرسالة، السنة العشرون (العدد ٩٧٤)، مارس ١٩٥٢، ص: ٢٤٢ - ٢٤٥
(١) بعض من بيت معروف للمتنبى، وهو:
ذو العَقْلِ يَشْقَى في النَّعيمِ بعَقْلِهِ ... وأخو الجَهالةِ في الشَّقاوَة يَنْعَمُ
(٢) الذي تكلف مؤونة الجدالَ هو الأستاذ محمد رجب البيومى في مقاله بمجلة الرسالة، العدد ٩٧٣، السنة العشرون، فبراير ١٩٥٢، ص: ٢٢٣ - ٢٤٥. وأما صاحبه الذي جادل عنه فهو الأستاذ سيد قطب.
(٣) العدد الثالث، ٣٩، السنة الأولى، ص: ٢٤٧ - ٢٥٥