للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ما جدوى التمنى! لابد مما ليس منه بد. فلنعد، إذن إلى حديث "الإبانة" و"الاستبانة" و"التذوق"، وإن كان التوقف والانقطاع، فلنعد إلى بعض التكرار، لأريح القارئ من بعض العنت والمشقة.

[تتمة القول في التذوق]

خليط هائل يموج بعضه في بعض من الحب والبغض، والصدق والكذب، والشك واليقين، والعفة والدعارة، والود والمداهنة، والاستقامة والمراوغة، والغضب والرضى والتقوى والفسق، والشجاعة والجبن، والنشاط والسأم، والطمع والقناعة، والصبر والجزع، والألم واللذة، والحزن والفرح، والغش والأمانة، والأنفة والاستكانة، والطيش والحلم، والطلاقة والعبوس، والسفه والوقار، والخسة والنبل، والعقل والجنون، والحقد والصفاء، والجفاء واللين، والفطنة والغفلة، والسكينة والهلع، والحياء والقحة، والدماثة والشراسة، والقسوة والرقة، والزهو والتواضع، والخبث والطيبة .. وألوف مؤلفة من الخواطر والهواجس، والهواتف والوساوس، والنوازع والشهوات والغرائز والطبائع، والأهواء والعواطف، والشيم والشمائل. وبحور متلاطمة من أفكار مركبة، وصور مصورة، متجددة الظهور والاختفاء، والثورة والخمود، تتصادم وتأتلف، وتتزاحم وتنفض، تضيئ وتنطفيء، وتثب وتغوص، وتعدو وتدب، وتعوى وتغمغم، وتقدم وتهرب .. هول هائل يجول في النفس ليلًا ونهارا، في مستقر قوى الحلقة المفرغة، (المكونة من العقل والقلب والنفس والقدرة على البيان) .. كل منها يطالب "القدرة على البيان" أن تهيئ نفسها وتتشكل، وأن تعبئ نفسها تعبئة صالحة عند الحاجة للدلالة على وجوده وحضوره في الضمير قديما أو متجددا، ظاهرا أو باطنا، مجملا أو مفصلًا.

حتى إذا ما جاء وقت "الإبانة"، وهو أول عمل لهذه القوة الغريبة الغامضة المطبقة للتشكل، مارست إنشاء الكلام وتركيبه على أسلوب مطبق لأن تحمل أحرفه وكلماته وجمله وتركيبه ومعاطف معانيه أمشاجا متداخلة مما تتميز به نفس