مهددا بالمجازفة على غير هدى. ولكن أبناء آدم -عليه السلام- كلما فتح لهم باب من المعرفة فتح لهم به باب من الغرور، وكلما فتح لهم باب من العلم فتح لهم به باب من البغي والجدل، هكذا نحن، إلا من عصم الله.
وأنا أحدِّث هنا عن نفسي، فمنذ بدأت قديما في تدبر هذه الآية من آيات الله في أنفسنا، لم أزل أزداد على تدبرها وتأملها دهشة متصلة وحيرة لا تنقطع. وبين الدهشة المتصلة والحيرة التي لا تنقطع آثرت منذ قديم أن لا أتكلم، لا مبينا عن دهشتي وحيرتي ولا مفسرا لأسباب دهشتي وحيرتي. ولذلك، فلم أكد أقف في مقالتي السالفة عند حديث "الإبانة" و"الاستبانة"، (وهما العملان اللذان تتولاهما آية الله فينا، وهي "القدرة على البيان") لم أكد أقف، ثم أسلم ما كتبت الى رئيس التحرير حتى عدت على نفسي باللائمة والتقريع. فأنا حين كتبت ما كتبت، لم ألتزم بأن أكتب مبينا عن دهشتى وحيرتى، أو مفسرا لدهشتى وحيرتى. ولو كنت فعلت ذلك لكان أدنى إلى الصواب، وإن كنت عندئذ قد خرجت خروجا عما ألزمت به نفسي هذا الدهر الطويل. فالآن جاوز الحزام الطبيَين كما يقال في المثل (١) وأطعت من كان ينبغي على أن أعصيه. سولت لي نفسي أن تجاوز هذا القدر الذي كان لزاما على أن أمسك نفسي عليه، فأرمى بنفسي في تيه ملتبس المعالم من النظر والاستنباط وتقرير الحقائق. ليتني ما فعلت! ولكن هي النفس!
كما يقول البوصيرى، وأنا في خلوتى لم أفطم قط نفسي عن شيء من النظر والاستنباط .. كان الأمر مقصورا على الخلوة، فالآن صرت إلى العلانية. من الذي أضل خطاى فأخرجنى من خلوتى؟ المتنبى؟ ليتني ما عرفته! ولكن،