للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أبو العباس السفاح أمير المؤمنين (١)

أثار الأستاذ العبادي في "الثقافة" عدد (٤٧) مشكلة ابتغَى حلها، وذلك أنه وصف حلية "أبي العباس أمير المؤمنين" أول خلفاء بني العباس كما رواها المؤرخون من أنه كان "ذا شعرة جعدة، طويلًا أبيض، أقنى الأنف، حسن الوجه واللحية" وكان "شابًّا متصوِّنًا عفيفًا حسن المعاشرة، كريمًا معطاءً" إلى نهاية ذلك من كريمات الخصال. ثم استبعد أن يكون بهذا الإنسان الرقيق أهلًا لتلك الصورة البشعة الطاغية التي تخلعها عليه معاني هذا الحرف "السفَّاح" من الجريمة وسفك الدَّمِ والرغبة في ذلك والمبالغة فيه. واحتفل الأستاذ للحوادث التاريخية فلم يجد فيها ما يسوِّغ أن يكون "أبو العباس أمير المؤمنين" سفاحًا سفاكا للدماء، وزاد أن ثقات المؤرخين كالطبري والدينوري لم يذكروه إلا مجردًا من هذه الصفة، ثم رجح بدليل بياني جيد أن السفاح محمول هنا على الأصل اللغوى أي الكريم المعطاء الذي يتلف الأموال ولا يبخل بها. ولكن الأستاذ "أحمد أمين" رد عليه بعض أدلته في العدد (٤٩) فردها الأستاذ العبادي عليه في العدد (٥٠) وهكذا إلى العدد (٥٢). وأنا قد أعجبت كل الإعجاب ببحث الأستاذ العبادي، وإن كنت أخالفه كل المخالفة، وذلك لأنه مبنى على منطق تاريخي جيد، ولأنه أراد أن يفرق فرقًا جيدًا بين كتب التاريخ وكتب الأدب القديمة من حيث الحجة في برهانات التاريخ. فإنا نجد كتبًا من أعظم كتب الأدب تحمل على الخلفاء من غث الأخلاق ما تناقضه سير هؤلاء الخلفاء كالذي يروون عن الرشيد -وهو بالمنزلة من الشرف والعلم والسياسة وطول الانبعاث للغزو والحجِّ- من معاقرة الخمر والملاهي والاطلاع على الحرم واستباحة الأعراض وغير ذلك مما لا يمكن أن يصح بوجه من الوجوه.

هذا، وإني أخالف الأستاذ العبادي، فإنه حين رده الأستاذ "أحمد أمين" رجع عن تفسيره لفظ "السفاح" بالكرم والسخاء لغير علة ظاهرة وأصرّ على أن


(١) وتأتي بقية الكلام على أبي العباس السفاح، ص: ٦٨