"أبا العباس أمير المؤمنين" لم يلقب "بالسفاح" البتة في حياته، ولا ذكر ذلك عنه أئمة المؤرخين، وأصر مع ذلك أيضًا على أن صفات أبي العباس وحليته تنفي عنه أن يكون سفَّاكا للدماء؛ ولا كل هذا! فإن هذه الصفات لم يُروَ لنا إلا أقلها حتى يمكن أن نجعلها أصلا يستشف خلق أبي العباس من ورائها، وإن الرقة والدعة والجمال ولين الخلق تخفي وراءها أحيانًا قسوة لا تدانيها قسوة، كالذي يكون في النساء، فإنهن قد عرِفن بين الناس بالرقة "وهن أغلظ أكبادًا من الإبل" وإن المرأة إذا ثارت لم يبلغ مبلغها في القسوة (أقْعد) الوحوش في باب الوحشية ومع ذلك. . . . فهي الزهرة غِبُّ الندى، وهي النسيم في السَّحَر، وهي. . .
وكنت أحب أن أستوفي هنا القول في تحقيق هذه الصفة لأبي العباس أمير المؤمنين، ولكني رأيت أن الكلام قد جاوز حده، وأن الدليل يقتضيني إثباتَ كثير مما يُخِلّ تركه بالفائدة فموعدنا الكلمة التالية إن شاء الله.