تأليف مصطفى فروخ والصور بريشته مطبعة الكشاف ببيروت سنة ١٣٥٢
الأندلس. . . كلمة واحدة توقظ في دم كل عربي تاريخًا من المجد والجمال والعلم والأدب وتوقد فيه نيرانًا من الألم والغيظ والغضب والحسرة، كلمة واحدة تراها ضاحكة في التاريخ، كلمة واحدة تراها حاملة راية النصر والدماء تسيل على جوانبها وتحت أقدامها، كلمة واحدة تحمل أسباب الحياة إلى العالم فتحمل فيه ألوانًا من العذاب والظلم والفتك والاعتداء، كلمة واحدة مرَّت على التاريخ كما يمرّ الحلم اللذيذ الفرح المحفوف بالجمال والشباب وروائع الخيال ثم توقظ التاريخ من حلمه تلك الجلافة البربرية الضارية التي أتت بها دواوين التحقيق في أبشع الصور وأقبح المطالع وأفظع الوجوه. . . لك الله أيتها الأرض العزيزة التي ضمت درر التاج العربي ونفائس الإرث الإسلامي وروائع الجمال الإنساني، لك الله يا أرض الأمجاد من بنى مروان.
هكذا تدول الدول ويتحطم المجد ويخبو الشعاع لتقوم في كل قلب دولة من الذكرى ويُبنى في كل فؤاد بنيان من الحسرة وتشتعل في كل مهجة نار من الألم، ويرحل الراحلون ليقفوا على بقايا الأطلال ودارسات الرسوم ليبعثوا في القلوب الذكرى ويجددوا في الأفئدة بنيان الحسرة ويورثوا المهج نيران الألم.
أجلت قراءة "الرحلة إلى بلاد المجد المفقود" ظنًّا مني بأنها كالكتب التي تصدر عن الرحلات في ضعفها وفتورها وجمودها وقلة روائها وذهاب مائها، فلما قرأتها عدت على نفسي بالملامة أن لم أكن بادرت إلى قراءتها من أول يوم، فقد اجتمع للأستاذ "فروخ" في هذا الكتاب من دقة الوصف وبراعة البكاء على أطلال المجد العربي وصحة النظر الاجتماعي والإحاطة بكثير من تاريخ البلاد التي رحل إليها -الأندلس- ولطافة الملاحظة، ما عدمته كثير من الرحلات التي قرأناها