كثرت لجاجة الصحف البريطانية ومراسليها في مسألة مصر والسودان، ولا تزالُ تلحُّ في ترديد الأقوال التي تشكك في عرض قضية الجلاء عن وادي النيل -مصره وسودانه- على مجلس الأمنِ أو أية هيئة دولية يكون من حقّها أن تنظر مثل هذه القضية، ولم تزل هذه الصحف ومراسلوها يدسُّون كلمة "العودة إلى المفاوضة" دسًّا عجيبًا حيث يحتاج إليها الكلام وحيث لا يحتاج، وهذه عادة قديمة وأسلوب عتيق كسائر أساليب بريطانيا في الخُدَع التافهة التي تسمِّيها سياسة. ولسنا ندري على أيّ أساسٍ يبنى هؤلاء المراسلون، أو الموحون إليهم، كلامَهم وثرثرتهم هذه. ولكن الشيء الَّذي لا نشكّ نحنُ فيه ألبتّة، والذي ينبغي أن تعرفه بريطانيا ومن ترسلهم إلى مصر والسودان ليحملوا إليها أنباء هذه البلاد -هو أن الشعب المصريّ السوداني قد قال كلمته منذ اليوم، وقد قَضى على كل سياسيِّ يخرجُ على إجماع الشعب بالخيانة العظمى كما تفهمها الشعوب- لا كما تفهمها الحكومات. وقد انعقد إجماع الشعب على اختلاف الأحزاب التي ينتمى إليها:
١ - بأن لا مفاوضة بينا وبين بريطانيا بَتةً وقولا واحدًا.
٢ - وأن الجلاء كلمةٌ يرادُ بها أن تجلوَ بريطانيا عن وادي النيل لا عن مصر دون السودان.
٣ - وأن طلَب الجلاء ينبغي أن يعرضَ على هيئة دولية لها شرفٌ تخافُ أن يُثْلَم، ولها مكانة تتحرَّج عن سقوطها في أعين البَشَر.
٤ - وأن التجربة قد دلَّت على أن بريطانيا خِلْوٌ من هذين الشرطين، وهما شرطان لابُدَّ منهما لمن نرتفع إليه بقضيتنا أو من نفاوضه فيها.
(*) الرسالة، السنة الخامسة عشرة (العدد ٧١٦)، مارس ١٩٤٧، ص: ٣٢٧ - ٣٣٠