للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

احذَرِي أَيتُها العَرَب

اليوم، لقدْ أحدّ الجزَّار شفرته وشمّر عن ساعديه، وأقبل على الذبيحة يريدُ أن ينحرَها نحرًا فذًّا، وهي راضية عنه داعية له، مستسلمة بين يديه، مقرّةٌ له بأن ذَبْحها هو نجَاتُها، وأن شفرته هي كما قال الراجزُ في دَلْوه:

"قاتِلَتي وملؤُها حياتي"! ! (١)

وبالأمس -في سنة ١٨٨٢ - وطئت إنجلترا أرضَ مصر لتدعم ما تزعزع من أركان عَرْشِها، كما زعمت وزعم لهَا من لا يتورَع ولا يتحرَّج، ومنذ ذلك اليومِ والسكّين ماض في تمزيق أشلاء ذلك البَدَن المخدَّر بالأكاذيب وبالغفلة وبالجهل وبالخيانة، والذي كان يُسَمَّى العالمَ العربي والعالم الإسلامي. وما مضى إلا قليلٌ حتى طارَتْ أشلاءُ هذا البدن بِدَدًا متفرقة مفَصَّلَةً، ذهبتْ مصر وحدها، وذهب الشامُ وَحْدَه، وذهب العراق وحده، وذهبت مراكش وحدها، وذهبت طرابُلس وحدها، وذهبت تركيا وحدها، وقطعت عُنُق الخلافةِ، وقضى الأمرُ.

واليوم يوشِكُ أن يكون ما كان بالأمسِ ولكن على أسلوب آخر: أن تُحْشَد هذه المِزَقُ المقطعة حَشْدًا جديدًا لتساق إلى يوم الحشر، لتساق مَخدَّرة بالأكاذيب وبالغفلة وبالجهل وبالخيانة مَرَّةً أخرى إلى الهُوّةِ المضطرمة التي لا تُبقى على حيٍّ، إلى الحرب الثالثة.

* * *

هذه إنجلترا تريدُ مرّة أُخرَى أن تعود بحِيَلها ورجالها وأعوانها وصنائعها، وبمداوراتها وسياساتها، لتضرب الضربة الأولى كما ضربتْها في سنة ١٨٨٢، وتخضع أعناق المصريين شاهدَهم وغائبَهم لأحكام معاهدةٍ عجيبة ظاهرها فيه


(*) الرسالة، السنة الرابعة عشرة (العدد ٧٠٢)، ديسمبر ١٩٤٦، ص: ١٣٧٩ - ١٣٨١
(١) مر هذا الرجَز في مقال "إلى أين؟ تَتمَّة"، ص: ١٨٨