قلنا لفضيلة الأستاذ الجليل محمد عبد السلام القبانى حين فخر بأنه اكتشف في صحيح البخاري نصا في مسألة ترجمة كتب الله المنزلة على عباده ورسله: (إذا كان للأستاذ أن يفتخر، ولقلمه أن يفتخر، فليفتخر بأنه أول عالم اكتشف أن "الترجمة والتفسير" لفظان مترادفان في العربية ليس بين مفهومهما فرق البتة)، ثم قلت -ولا أزال أقول- أننى أنا خاصة لا أطاوع على أنهما بمعنى واحد. فغضب الأستاذ لذلك غضبة الأسد الجريح إذا حملته الجراحة فأعمل في عدوه الناب والظفر. وأنا يعجبنى من الرجال من يغضب لحقه في القول أو غيره. ولا أضيق به صدرا ولا أتبرم. ولكن الأستاذ حفظه الله في غضبه لم يبال أن يصب عليَّ نهرا من البلاغ. ما كنت أحسب أنه يستطيع أن يصبه عليَّ، . . .
وبعد فإن الأستاذ يقول إن البخاري "عقد الباب للترجمة، وساق الأدلة، ولم يفهم الشراح إلا أنه للترجمة، ولا يمكن إنسانا كائنًا من كان أن يفهم إلا أنه للترجمة وفي الترجمة، وليس معنى كلمة تفسير حينما تضاف لشيء بلغة إلا ترجمته إلى تلك اللغة الأخرى، فمن الذي حرف كلم الناس عن مواضعه لأجل أن ينقدهم ثم يشتط في نقدهم؟ وأي جملة في كلامي تقول أن التفسير من حيث هو مرادف للترجمة، حتى تبنى المقالة كلها على هذا التوهم! ! ".
وأنا مضطر أيضا هنا أن أسجل للأستاذ الجليل اكتشافا ثانيًا لم يفطن إليه أحد من قبله، وهو أن كلمة (التفسير) إذا أضيفت إلى شيء بلغة كان معناها ترجمة هذا الشيء من تلك اللغة إلى اللغة الأخرى، وهذا اكتشاف جدير بالتقدير، فهو زيادة في ثروة اللغة أولا، ثم هو أصل في قاعدة جليلة ينبغي للمجمع اللغوى أن
(*) بلاغ الجمعة: ٢٥ المحرم سنة ١٣٥٥ - ١٧ إبريل سنة ١٩٣٦