للهجرة إلى يوم الناس هذا، ليس مما يخفي على أحد من العلماء أو أشباه العلماء من أمثالنا. ولكن الذين كانوا يتدارسون هذا الكتاب، ومن لا يزال يتدارسه لا يستطيعون أن يحرفوا الكلم عن مواضعه، ويخرجوا العربية من أوضاعها المقررة إلى الأوضاع المتخيلة، لذلك لم يدخلوا هذا الحديث في كلامهم حين ذكروا ترجمة القرآن، وتولجوا في الكلام عنه إباحة أو منعا. وإذا كان أستاذنا قد كشف شيئا لم يكشفه أحد قبله، وعثر على ما لم يسبقه إليه كاتب ولا عالم، فهذا الذي كشفه وعثر عليه شيء آخر غير هذا الباب المعقود في "أشهر كتاب إسلامي - وأصح كتاب بعد كتاب الله تعالى" كما قال الأستاذ. إذا كان للأستاذ أن يفتخر، ولقلمه أن يفتخر فليفتخر بأنه أول عالم قد اكتشف أن "الترجمة والتفسير" لفظان مترادفان في العربية ليس بين مفهومهما فرق البتة. فالإمام الجليل البخاري يقول "باب ما يجوز من (تفسير) التوراة وكتب الله بالعربية وغيرها. . . ." وأستاذنا يقول أن البخاري قد "عقد بابا لبيان جواز (ترجمة) التوراة وغيرها من كتب الله إلى اللغة العربية (كذا) وغيرها" فاكتشاف الأستاذ الذي يفخر به هو أن الترجمة والتفسير بمعنى.
ولكني أنا خاصة لا أطاوع على أن الترجمة والتفسير بمعنى، وإلا فليأتنا الأستاذ بالدليل على أنهما بمعنى واحد فإذا فعل سلمنا له بأن هذا الباب الذي ورد في كتاب البخاري إنما يراد به جواز الترجمة. ولا بأس من أن نُذكّر الأستاذ هنا أن الأئمة لم يختلفوا أبدا في جواز تفسير التوراة والإنجيل والقرآن بلغة من اللغات، ولا كان ذلك في كلامهم. وأرجو أن يعلم أستاذنا الجليل أنى رجل سليم دواعى الصدر، ليس بى عليه نقمة، ولا لي معه خلاف إلا على هذه المسألة بعينها، أن الترجمة والتفسير بمعنى واحد، وأن البخاري لم يرد إلا التفسير، ولم يرد في كلامه، ولا في الحديث الذي رواه في هذا الباب أو غيره دليل واحد فيه ذكر ترجمة شيء من الكتب المنزلة ولسنا نريد أن ننافس الأستاذ في العلمِ ولا أن نفخر به، بل نريد أن نتعلم، ويقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "من كتم علما يُنْتَفع به جاء يوم القيامة مُلْجَما بلجام من نار".