للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الناسخون الماسخون]

كانت صناعة النَّسْخ في العصور الإسلامية الأولى يُعهد بها إلى رجال من أهل العلم والأدب يسمَّون "الورَّاقين"، وكان يشترط فيهم التضلُّع بالعلم الذي ينقلون كتبه وينشرونها، كما يشترط في الراوية أن يكون من أهل البصَر بالشعر. ولذلك كان لكل عالم "ورّاقٌ" كما كان لكل شاعر "راوية". فلما جاءت عصور الانحطاط طمع بهذه الصناعة غير أهلها ففسدت الكتب وكثر خطأها.

ومن هذا القبيل الأغلاط الواقعة في نسخة كتاب (التيجان في ملوكِ حمْير) لابن هشام. فقد شكا العلّامة الشيخ عبد العزيز الراجكوتى الميمنى (في الزهراء ٣: ٣٠٠) من كثرة تصحيفها. ولما أراد أن ينقل منها لقراء الزهراء أشعار الرُبَيْع ابن ضُبَع استطاع بمراجعة كثير من الكتب أن يصحح بعض تلك الأخطاء وبقى بعضها. وقد اقترحتُ على صديقي السيد محمود شاكر أن يبحث عن شعر الربيع في كتب الأدب واللغة ليصحح ما بقى من الأغلاط، فلما أعياه الأمر (١) بعد سهر طويل بعث إليَّ ببطاقة هذا نصها:

سيدى محب الدين (٢)،

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:


(*) الزهراء، الجزء الرابع، سنة ١٣٤٦ هـ/ ١٩٢٧، ص: ٢٤٥.
(١) لا يعني محب الدين -رحمه الله- أن الأستاذ شاكر لم يجد شعر الرُّبيع عامة، وإنما شعرا معينا أعيى الميمنى -رحمه الله- إقامته. فالأستاذ أجلّ من أن يجهل الرُّبَيْع وشعره. وللربيع ترجمة في المعمرون: ٨ - ٩، سمط اللآلى ٢: ٨٠٢ - ٨٠٣، أمالى المرتضى ١: ٢٥٣ - ٢٥٦، الإصابة ٢: ٢١٩، التيجان ١١٨ - ١٢٣، الخزانة ٣: ٣٠٨ - ٣٠٩.
(٢) محب الدين بن أبي الفتح محمد عبد القادر صالح الخطيب، ولد بدمشق وتعلم بالآستانة. حضر إلى القاهرة ١٩٠٩ وعمل في جريدة المؤيد، ثم قصد العراق فاعتقله الإنجليز سبعة أشهر، ثم ذهب إلى مكة المكرمة عند إعلان الثورة العربية ١٩١٦ فحكم عليه الأتراك بالإعدام غيابيا. ثم استقر في مصر سنة ١٩٢٠ وعمل محررا في الأهرام، وأنشأ مجلتي الزهراء والفتح، وأنشأ المطبعة السلفية ومكتبتها، ونشر كتبا كثيرة من تأليفه. توفي ١٩٦٩.