للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المتباينة. ولن يصلح أمر هذا الشعب حتى يناهض ذلك كله بانصرافه إلى مدارسه ابتغاء توحيد ثقافته على أصل واحد. والأصل الضعيف الموحد في ثقافة الشعب خير وأنفع من الأصول المتعددة القوية، لأن هذه تغرى بالتفرقة والعداء، وذلك يؤلف ويوفق ويضم أشتاتًا ويقيم القلوب على الإخلاص والتفاهم.

[فقهاء بيزنطة]

وهذا مثل جيد ضربه الأستاذ الزيات لاختلاف عامة المسلمين على بعض أحكام الفقه الإسلامي والسنة النبوية، وبغي بعضهم على بعض في ذلك، وتركهم الأصول الإسلامية التي ترفع المسلم إنسانية فوق إنسانية، وتمحِّصه من الجهل والضعف والفساد والذلة وكيف يختلف علماء المسلمين على فروع من دينهم ويدعون الأصل لا ينفذ نوره إلى قلوب هذه الملايين من المسلمين، فيطهر أدرانها ويزيل غشاوة العمى التي ضربت عليهم أسدادها.

وضرب الله مثلًا فقال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (١٦) وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ}.

فقد بين الله سبحانه أن اختلاف من سبقنا لم يكن إلا بغيًا من بعد أن جاءهم العلم، وأنه جعل المسلمين على شريعة من الأمر. وحق ذلك ألا يقع الاختلاف بين المسلمين إلا في رأي لا يفضى إلى فرقة، وعلى ذلك كان السلف من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فاتبعوا قوله: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم"، وقد نهى عن الجدل والمراء وتناهى أصحابه عنه حتى قال ابن عمر: "لا يصيب الرجل حقيقة الإيمان حتى يترك المراء وهو مُحِقّ".

ونحن قد صرنا الآن إلى زمن قد غلبت فيه بدع كثيرة ليست من الدين ولا تنزع إليه، ولكنها من محدثات الأمم وفتن الأهواء. ونحن أيضًا في زمان ضعف وقلة وتفرق، والأمم من حولنا تتباغى على أنفسها وعلينا، فما يكون