الكريمة قد اعتقدت في قلبها معنى "حرية المرأة" بالإصرار والتعصب فأخذت تنتزع رجولة الرجل شيئًا فشيئًا حتى ليخيل لسامعها أنه مخلوق وحشي منطلق من كل قيود النبل، فهو عندها أناني لا يؤثر على نفسه، وهو معنى متجسم للفوضى في بيت الأبوة والأمومة، وهو جاهل متحامل على ضعف المرأة لا يرحمها ولا يحس بآلامها، وهو فاجر متوقح يستجر الأخطاء ويجنيها ثم يرمى المرأة بها وينسَلُّ منها.
وأنا لا أريد الآن أن أدافع عن الرجل، ولكني أريد أن أسأل السيدة الكريمة ومن يذهبُ مذهبها من النساء: إذا كانت هذه صفة الرجل في أنفسكن، وإذا تحدثتن بمثله فبلغ الأسماع في بيوت العقائل، فوقع في آذان الأم والزوجة، والفتاة الجاهلة الطياشة، فاعتقدنه ومالت إليه أهواؤهن، فبأي عين تنظر المرأة إلى زوجها والفتاة إلى خاطبها؟ وأيُّ معاملة يلقاها الرجل بعدُ على أيديهن وبألسنتهن! كلا يا سيدتي، إن المرأة هي تجني أكثر الذنب فيما نعلم، ثم تتنصل، وهي كل الأنانية إلا أن يتصل أمرها ذلك بمصدر الأمومة في غرائزها، فهي عندئذ مثال الإيثار والتضحية، وهي صاحبة الفضائل كلها إذا أُثيرت أمومتها وإحساسها بالمحافظة على النوع الإنساني، وأما بغير ذلك، فهي المرأة بضعفها وأنوثتها وحاجتها إلى عون الرجل وتضحيته ورحمته. وليس للمرأة عمل إلا أن تعمل دائمًا على أن تجعل الرجل في عينيها تمام إنسانيتها، وبذلك تستصلح منه ما عسى أن يكون فاسدًا، وتتم ما وقع إليها ناقصًا، ويبنى البيت -بَيتهما- على أساس من القوة الداعية للبقاء، فمن الرجل الرحمة والإخلاص، ومن المرأة الاحترام والعفاف، ومنهما النسل الجميل المحفوف بالفضيلة من جميع نواحيه.
[أبو العباس السفاح]
لم تتسع كلمة هذا الأسبوع لتحقيق لقب السفاح أبي العباس عبد الله بن محمد أمير المؤمنين، فأرجأنا ذلك إلى العدد القادم ..