للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تجديد التاريخ المصري ساعة واحدة]

ساعة واحدة، وتتوالد منها ساعات تلمع في الأيام كبسمات النجوم في قبة الليل. ساعة واحدة في تاريخ الأمة، وتأتي الساعات بعدها تنفث في الشعوب رقى من السحر تجعل الساكن البليد الغافل شعلة متوقدة تتوهج من نشاطها وإقبالها وذكائها وحسن تصرفها في المضيق المتلازم الضنك. ساعة واحدة، وتنبعث حرارة الإيمان في القلب حتى ما يدع شيئا إلا قهره وأذابه ورده بعدُ سبيكة من الجمال والحق والقوة والحرية والنبل. ساعة واحدة، وتكون المعجزة قائمة على الدهر جديدة حية كالحياة نفسها.

هكذا يبدأ تاريخ الشعوب، وهكذا يكون يوم يتجدد التاريخ القديم ليكون مرة أخرى على الناس في عنفوانه كالموج المتلاطم لا يتفانى إلا ليكتسب قوته من تياره فيتجدد. وهكذا يقوم على الأرض بناء الحضارات من يوم أن كانت الأرض. وهكذا تتجلى فضائل الشعوب على الزمن الشعبى فتجعله فضيلة تاريخية متوارثة متبعة، تقف الأمم إليها تقتبس من نورها هدى تمشي به خطاها في تاريخ الأمم. إن من يجهل حقائق الحياة الإنسانية العالية المتسامية، يخيل إليه جهله أن الزمن إذا وقف بأمة في مربط من الحيوانية التاريخية النازلة لا يمكن أن يمد لها مرة أخرى في طِوَل (١) أو زمام، وأن الحياة التي وقفت يصعب بعد ذلك أن يستمر مَرِيرها (٢) فتقوى على المشى المتعب، وأن ساعات الاستبداد، وعد الأنفاس، ومراقبة الهمس، والتوجس من النجوى، والتفتيش عن أسرار القلب وخطرات النفس وخلجات العقل -هي ساعات من البلاء تمسك الحياة على ذلها وقلتها، فلا تعز بأمر ولا تزيد ولا تكثر.

ولكن الحق يختلف بطريقته عن طريق هؤلاء الظانين به غير الحق، فإنه


(*) الدستور -السنة الثالثة- العدد ٧٩٤ ,الجمعة ٦ جمادى الثانية سنة ١٣٥٩ - ١٢ يوليو سنة ١٩٤٠، ص ١.
(١) الطوَل: الحَبْل.
(٢) استمرت مريرتُه: قَوِيَ واستحكم واشتد.