قسوته حكما مشوبا بالملق لتاريخ حضارة أمته، وإلّا فالتاريخ أَمْضَى حكمه على هذا الضرب الساقط من المدنية الخبيثة ولكن بيتان الرجل معذور في ملقه، لأنه فرنسي يحب فرنسا بدمه قبل أن يحبها بأفكاره وآرائه.
ولكن ما عذرنا نحن إذا قام كاتبنا. . وكاتبنا. . . وكاتبنا. . . إلى آخر هذه القائمة الطويلة، يمجد تلك المدينة -باريس- التي حكمت بأسلوبها في الحضارة على فرنسا بذل الأبد وعار الدهر. لا تقولوا إنا نذكر ونحن نسبح بخيالنا في جمال باريس وفن باريس وعقل باريس وعلم باريس. . . إن تمجيد باريس ليس إلا تمجيدًا لذلك النوع الفاسد من الحياة التي سلبت باريس وأم باريس الحياة. إنكم حين تتكلمون وتكتبون لا تذكرون شوارع باريس ولا حيطان باريس، فإن ذلك كله لا نفع له إن لم يكن ذكركم لها ذكر الروح التي تحيى بها هذه المدينة العبقرية اللذات وهذه الروح هي التي أرهقت روح المدينة الفرنسية وما يشابهها ويلف لفّها في التلذذ والشهوة والفساد.
يا أحبابنا، ويا أصحابنا: إني أكتب هذه الكلمات، لكل من يقرأ ومن لا يقرأ، ومن ينسى ومن لا ينسى، ولكني أعلم أنى أؤدى واجبي، فليس يسوء أحدكم أن أكون له مخالفا ما كان خلافي عليه نصيحة له وحبا لهذا الشعب الذي يغذونى ويغذوكم بما تقوم به حياتى وحياتكم. فانظروا إليه أولا وانظروا إلى ما هو فيه من البلاء، وخذوا من أحداث الدنيا ما يكون لنظره عبرة، ولرأيه فكرة، ولروحه قوة، ولمستقبله حافزًا. لا تبكوا. . . لا تنوحوا، فإن كنتم لابد فاعلين، فابكوا له، ونوحوا عليه: