للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[الشريف الكتانى]

جائتنا هذه الرسالة البليغة في وصف الشريف الكتانى الذي زار مصر في طريقه إلى الحجاز لتأدية فريضة الحج من حيث هو عالم من أكبر علماء الفقه الإسلامى وأديب واسع الاطلاع عميق الفهم جمع خزانة من أنفس المخطوطات العربية وأثمنها في داره بفاس. فنشرناها شاكرين

هما رجلان ألان الله لهما من صخرتى أوّلَ ما رأيتهما: السيد الجليل "محمد نصيف" كبير جُدّة وعماد الحجاز والأملُ الممتدُّ في جزيرة العرب، وهذا السيّد المباركُ محقّق العلم الإسلاميّ وعمدة التاريخ العربيّ "محمد عبد الحيّ بن عبد الكبير الكتانيّ الإدريسيّ" واحد فاس، وكبير مراكش، والعلمُ الشامخُ بين أعلام الأمّة الإسلامية في هذا العصر ما بينَ الصينِ إلى رباط الفتح من المغرب الأقصى.

وما عَسَاىَ أقولُ في رَجُل. . . كلما أمسكتُ القَلم لأكتبَ عنه تهيَّبْتُهُ من غير خوفٍ كما يتهيَّبُ المؤمنُ قَالةَ الحقِّ تحيكُ في قلبه، خشيةَ أن يجورُ فيها لسانُه، أو أن يعدل بها سامعها عن وجهٍ قصد إليه. وأنا حين أكتبُ هذه الكلمة -بعد أن لازمت الرجل أيامهُ ولياليه في القاهرة، وأخذت عنهُ، وقبست من نوره وعلمهِ وخُلُقِه الغضّ، واستنشيت ريَّا شمائله- أجدني كالذي انتقل بروحه من عالم كثيفٍ فيهِ من ثِقَل المادة ما يهيض جناح الطائر، إلى عالم من الرُّوحانية المصفَّاةِ التي ألقت أوزار المادة إلى مَثَارها ومعدنها من الأرض، وحلَّقت في جوّ السماء بين نسمات النفْحة الإلهية وفتنة الجمال العلوي. . . الجمال الذي ينتظم الكون كله بأفلاكه وكواكبه ودقة تدبيره وحكمة أمره.

رجلٌ منضَّر الوجه كالوردة الزاهية فيها سرُّ الجمال الإلهيّ الذي لا يذبُل، مشرق الجبين كنور الفجر الصادق الذي لا يتكذَّب، وضّاح الثنايا كالأُقحوانة (١)


(*) المقتطف، المجلد ٨٢، إبريل ١٩٣٣، ص: ٤٨٣ - ٤٨٦
(١) الأقحوانة: نَبْت له نَوْر، حواليه ورق أبيض.