منهم ما يكتبون وما يؤلفون وما يقدمون للتاريخ من آثارهم ليكسبوا به خلود الاسم وبقاء الذكر.
وشبابنا اليوم قد تهدَّمت عليه الآراء، وتقسَّمته المدنية الأوربية الطاغية، وهو لا يجد عصامًا يعصمه من التدهور في كل هوة تنخسف بين يديه وهو مقبل عليها بشبابه ونشاطه واندفاعه وعنفوان قوته في الشوط الذي يجريه من أشواط حياته. والمدارس في بلادنا لا تكاد تعطيه من الرأي أو من الفن أو من الأدب ما يبلُّ أدنى ظمأه إلى شيء من هذه الأشياء، وإذن فليس يجد أمامه إلا المجلات والصحف والكتب التي يقدمها له أصحاب الشهرة من كتَّابه الذين تُرفَع له أسماؤهم في كل خاطرة وعند كل نظرة. وهو لا يَنى يستوعب منهم أساليبهم وأفكارهم وآراءهم وما يدعونه إليه من موائدهم.
فهل ينصف هؤلاء الكتاب هذا الشباب؟ أتراهم قد عرفوا قدر أنفسهم عند الشباب فعبَّأوا له قواهم احتفالًا بشأنه وحرصًا على مصيره الذي هو مصير الأمة ومصير مدنيتها؟ أنا لا أرى ذلك إلا في القليل ممن عرفهم الشباب وجعلهم نصب عينه، واتخذ أساليبهم فتنة يهوى إليها.
[ناقد يتكلم]
وأنا أدع أحد الكتاب من إخواننا الشآميين يتحدث عن بعض ما نحن بسبيله، وهو الأخ "قسطنطين زريق" في كتابه "الوعي القومي" فقد قال في ص (١٦٢ - ١٦٣):
"لسنا نعيش اليوم في عصر ترف عقلي ورفاهية فكرية. في عصور الترف والرفاهية قد يسمح للكاتب أن يقول: "لي الحق أن أكتب ما أريد وأعبر عما في نفسي كما أشاء". . . إن عصرنا عصر أزمة فكرية وضيق عقلي. وكما أنه لا يسمح للناس في زمن الأزمة المالية أن يبذروا أموالهم في سبيل شهواتهم الخاصة وأمورهم التافهة، فكذلك يجب ألا يسمع لقادة الفكر في عصر الضيق العقلي والأزمة الفكرية أن يبددوا قواهم على المسائل الطفيفة والأبحاث الجزئية.