للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكرى الشاعرين]

جمعها ورتبها "أحمد عبيد" صاحب المكتبة العربية بدمشق - مطبعة الترقي بدمشق سنة ١٣٥٢

كان في عصور الحكومة العربية التي أقامها الإسلام في الشرق وأظلَّ بها ما ترامى بين مشرق الشمس ومغربها من أمم ألَّف بين قلوبها وألسنتها وثقافتها وعلمها، قومٌ قد اتخذوا الورق والكتب تجارة درَّت عليهم رزقًا مباركًا، وسمى الناس هؤلاء القوم "الورَّاقين". فكانت دكاكين هؤلاءِ الورَّاقين مجامع تضمُّ صفوةً من العلماء والشعراء والمحدثين والفقهاء والنساخين والأدباء لا يزالون يردون عليها ويصدرون منها ما بين طرفي النهار في طلب الكتب أو بيعها أو نسخها. وكانت مجالس هؤلاءِ المثقفين في هذه الدكاكين لا تخلو من مناظرة أو مطارحةٍ أو جدلٍ، أو ذكر خبر، أو رواية حديث، أو إظهار حكمة. فنشأ من بين هؤلاءِ الورَّاقين رجال من أهل العلم ألّفوا وقعدوا للدرس وقالوا الجيد وبذُّوا كثيرًا من أهل العلوم التي فرّغوا قلوبهم لها مع تجارتهم. والأديب "أحمد عبيد" هو خلف من أولئك السلف الذين جمعوا إلى التجارة بالكتب علم ما في هذه الكتب، وله آثار جيدة وشعر طيب ولا يزال يطالعنا كل عام أو عامين بكتاب مما ألَّف أو جمع أو اختار.

وآخر كتبه "ذكرى الشاعرين" حافظ وشوقي، جمع فيه أكثر ما كتب الأدباءُ في مصر والشام والعراق والمغرب عن هذين الشاعرين قبل وفاتهما وبعدها. وجمع أكثر المراثي التي قيلت فيهما، وأضاف إلى بابي الكتاب مختارًا من شعر حافظ وشوقى أكثره لم ينشر. وفي هذا الكتاب ترى كيف اهتزَّ العالم العربي لموت هذين العلمين، وكيف أفاض الكتاب والشعراءُ في ذكر آثارهما ومناقبهما وكيف أنطقت الفجيعة كل صامت وأوهت كل بليغ. ولا يشك أحد في أنه لم يُكِنَّ الوفاءَ للشاعرين في جمع ما كتب عنهما وحسب، بل الوفاءُ في تتبع ما أحدثا في الشعر العربي من جديد، وأقاما من بنيان كان قد تهدَّم في عصور اللكنة والنبطية المريضة التي كانت لسان الشعراء في القرون الأربعة قبلهم، غير أن