للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحركات السياسية والدينية والعلمية والأدبية والتجارية التي نشأت وترعرعت في العالم الإسلامي وبثَّ فيها قلمه روحًا عظيمة تركت آثارًا في كل بلد إسلامي. وهذا الكتاب الذي بين يدي هو -فيما أعتقد- أجل ما عمل الأمير وما ترك من أثر، ولا نزال في حاجة إلى قراءته وتدبره والرجوع إليه إذ هو الكتاب الوحيد في العربية الذي يجمع بين دفتيه أخبار العالم الإسلامي وما ألمَّ به وعمل السياسة في إرهاقه وتحطيمه وتمزيقه. وليس أحوج إلى قراءة هذا الكتاب من شباب العالم الإسلامي الذين انصرفوا عن دراسة شؤون الدول الإسلامية والشرقية، ولم توافهم الصحف بأخبار وافية صحيحة عن هذا العالم. وأنا في كلمتى هذه لا أميز بين مسلم ومسيحي، فإن الإسلام قد أظلَّ النصرانية واليهودية في الشرق بظله الرطب زمنًا طويلًا وكانوا جميعًا في أمنٍ وعزّة لا يلحقهم حيف ولا تمسهم الذلة وكان أمن الإسلام أمنهم وعزّه عزّهم، ولم يكن هناك استعمار يجعل الأقليات في بلاد الإسلام زناد بندقيته التي يرمي بها الجامعة العربية الإسلامية. إن التاريخ لا ينسى أن الجيوش الإسلامية التي قاتلت الصليبيين من أهل الغرب كانت تجمع تحت لوائها المقاتلة من النصارى واليهود وغيرهم، وأن التاريخ لا يستطيع أن يذكرنا بشكوى كانت لنصارى الشرق من المسلمين وأحكامهم، ألا وإنَّ موقف الأقلية المسيحية في سوريا لخير مثل مضروب لذلك العهد المضئ بالعدل والمساواة والحق.

ليس للعالم الإسلامي معلمة (دائرة معارف) يوثق بها في هذا العصر إلَّا هذا الكتاب. ولم نأخذ على هذه المطبوعة شيئًا من النقص إلَّا أشياء قليلة، فالمطبوعة الأولى من الكتاب كان التخالف فيها بين حروف الأصل المترجم وتعليقات الأمير بيّنًا. أما في هذه المطبوعة فالأصل والتعليقات كلها من حرف واحد. وأيضًا، كان في المطبوعة الأولى فهرس دقيق للأعلام والمواضيع خلت منهُ هذه المطبوعة. وكان صواب الرأي أن يكون الفهرس في هذه أوفى منه في الأولى وأوسع، على أن هذا لا يقلل من قدر هذا الكتاب الذي لا يستغني عنه شرقي يريد أن يشعر يومًا بالعزة والكرامة والعلو في ظلال الحرية والاستقلال.