ومع أن هذا هو ما تجده مستكنا في صريح الدعوة إلى هذا المؤتمر وفي وصاياه، فإنه انعقد أياما ثم انفض، وتلقته بعض أجهزة الإعلام خبرا ضئيلا ينشر ثم يطوى، وكأنه كان لغوًا لا يحرك ساكنًا، ولا يثير أحدا، ولا ينذر بخطر، ولا يستحق أن ينال أسطرا قلائل من الآلاف المؤلفة من الأسطر التي تحوزها مشاكل الاقتصاد والإسكان والمرور، أو كرة القدم على الأقل. وهذا وحده نذير بشرّ لا يعلم إلَّا الله مداه.
أمر محزن أن تبلغ الاستهانة بشأن اللغة هذا المبلغ. موقف لا مثيل له في تاريخ أمم العالم، لأنه يخالف طبيعة الإنسان الذي ميزه الله من سائر خلقه باللغة والبيان، في قصة طويلة معقدة، منذ دب على الأرض أبونا آدم -عليه السلام- .. وتكاثر أبناؤه حتى عمروا وجه الأرض، واختلفت ألسنتهم وألوانهم، وصاروا شعوبا وقبائل وأممًا تتعارف وتتناكر على مر آلاف مؤلفة من السنين.
ضعف في اللغة يستشرى جيلا بعد جيل، واستهانة بما يصيب اللغة تتفاقم جيلا بعد جيل. موقف فريد مناقض للطبيعة، تقفه أمة العرب ومن ينتمون إليهم بالدين الواحد والحضارة الواحدة، أو باللسان الواحد والحضارة الواحدة وإن خالفوهم في الدين.
كيف تم هذا كله؟ لابد من تفسير لما حدث كيف حدث، وإلاّ فلا علاج لعلة لا يعرف الطيب أسبابها ولا نشأتها ولا تاريخها، وكفى بالطيب جهلًا أن يعالج أعراض الداء، والداء في مكمنه حي طليق مسيطر مستبد.
[في زمان الغفلة]
منذ أربعة قرون ماضية، كان العالم العربي والإِسلامى أرضا واحدة، تحيى حضارة واحدة، تمدها ثقافة واحدة، من أقصى المغرب إلى حدود الصين، ومن أطراف تركية دار الخلافة إلى أغوار أفريقية وآسية، أمة واحدة وارثة لأسلافها، ولكن الورثة كانوا في غفلة، استناموا إلى ميراثهم الجليل الضخم، فهمدوا همود الجمرة تحت الرماد.
وفي زمان غفلتهم واستنامتهم، دبت الحياة دبيبها في ناحية أخرى على