للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أبصر طريقك (١)

منذ ظهر دين الله في الأرض، وتدافعت أمواجه شمالا وجنوبا وشرقًا وغربًا، وضرب تياره أسوار العالم المحيط به، وطهر بلادًا كثيرة وغسلها مما فيها من الشرك والكفر والإهلال لغير الله سبحانه، أخذت تتجمع في أطرافه عداوة لا تنام، وبقيت هذه العداوة تنازل جنود الله عامًا بعد عام في ثغور الإسلام. ثم احتشدت هذه العداوات المتفرقة في الثغور حشدا واحدا، بدأت به الغزوات المتلاحقة التي عرفت في التاريخ باسم الحرب الصليبية. وظلت هذه الحروب مشبوبة قرونا طويلة، وأداتها السلاح والجيوش والمواقع.

ثم انتهت حرب السلاح والجيوش، إذ وضع العالم الإسلامي سلاحه، بل أصح من ذلك، أن العالم الإسلامي يومئذ لم يكن معه سلاح يضعه أو يرفعه. وإذا كان فيه سلاح، فهو سلاح لا يغني عنه في لقاء هذه الأسلحة الجديدة التي جاءت مع الغزاة. ومن يومئذ انتقلت الحرب الصليبية من ميادين القتال إلى ميدان آخر: هو الحياة نفسها!

كانت خطة الحرب الصليبية الجديدة، هو دك الحياة الإسلامية كلها: تدك بناء هذه الحياة، وتدك علمها، وتدك آدابها، وتدك أخلاقها، وتدك تاريخها، وتدك لغتها، وتدك ماضيها. وفي خلال ذلك ينشأ بناء جديد لهذه الحياة، بعلم غير العلم الأول، وأدب غير الأدب، وأخلاق غير الأخلاق، وتاريخ غير التاريخ، ولغة غير اللغة، وماض غير الماضي. ويأتي يوم فإذا الهزيمة واقعة كما وقعت في الميادين. ويصبح العالم الإسلامي وليس معه من الحياة التي كان بها عالما


(*) الرسالة، السنة الحادية والعشرون (العدد ١٠٢٠)، ١٩ يناير ١٩٥٣، ص: ٨٩ - ٩١
(١) جاءت هذه العبارة في عجز بيت لمُضَرَّس بن رِبْعِىّ:
* أَبْصِرْ طَرِيقَكَ لا يَشْخَصْ بكَ البَصَرُ *