للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[ويلك آمن. . .!]

أيام من الدهر حائرة في أودية الزمن، وساعات تخلع المصائب وتلبسها بين الثانية والثانية، ورعب مظلم خيَّم على الأرض فلا تضيئه إلا شقائق النار وهي تفرى الجو ذاهبة وآيبة، وحيرة سابحة فيها عقول البشر لا تدع قرارًا لفكر ولا خيال، وسهام نافذة من البلايا تفتق نسج النفس الإنسانية فتقًا رغيبًا (١) يتعايا على الراقع والمصلح. . . فيا له من بلاء مطبق على العالم إطباق اليوم الصائف يسد بحَرِّه منافذ الأنفاس.

ما الحياة؟ ما الإنسان؟ ما العقل؟ ما الحضارة؟ إلى أين نسير؟ كيف نعمل؟ لماذا نعيش؟ فيم نتعب؟ تبًّا لكل هذه الضلالات الداجية التي لا يبرق فيها نجم واحد يقول للإنسان: اتبعني، سوف تهتدي! !

هذه هي الحضارة الأوربية الحديثة قد انتهت بالناس إلى خلق هذا الإشكال الدائم الذي لا يحل، وساقت الناس إلى مرعًى من الشك وبئ، كلما ازدادوه غذاء زادهم بلاء، فلا ينتهي من ينتهي إلا إلى هلكة تدع فكرة الحياة خرافة عظيمة قد اتخذت لها أسلوبًا تتجلى فيه، فكان أبلغ أسلوب وأفظع أسلوب، هذا الإنسان الذي يحمل من رأسه قنبلة حشوها المادة المتفجرة التي تهلكه وتهلك ما يطيف به أو يقاربه، فلا هو ينتفع بنفسه، ولا ينتفع العالم به.

لو سئل إنسان هذا القرن: ما أنت؟ لقال: أنا اللعنة الملعونة التي تشأم نفسها وتشأم من يعترض انصبابها وسيلها. أنا الناب الذي ينقع في الإنسانية سُمَّه حتى تبرد حياتها في عضته. أنا الهالك المهلك، هذه حياتي، وهذا عقلي، وهذه حضارتي، ومن أجل هذا خلقت، وفي سبيله أعيش، وعلى قضائه أعمل. . .! !


(*) الرسالة، السنة الثامنة (العدد ٣٦٥)، ١٩٤٠، ص: ١٠٨٤ - ١٠٨٦
(١) الرغيب: الواسع.