والأدب واللغة حتى جاءَ في هذا العصر أصحاب الألسنة الأعجمية من دول أوربا بأقوالهم في تاريخنا وأدبنا وديننا بالكلام الجيد تارة، والفهم الملتوى والتعليل الفاسد تارة أخرى.
فأنت حين ترى "أحمد أمين" يبتدر صادقًا إلى هذا التاريخ فيتقلّب فيما بقي من دارسات طلوله وفيما وصلنا من كتبه ما شاءَ الله أن يتقلّب ثم يخرج فيقصُّ عليك من أخباره وقد نَفَضَ عنها غبار القرون وأحداثها، وما إن ترى من أهل هذه اللغة إلا نائمًا أو متيقظًا كنائم أو صاحب مكيدة مخدوعًا عن رأيه وقلبه، وإلّا أعجمي اللسان والقلب يلتوى فهمه ولا يستقيم غرضهُ يتعرّض لتاريخ هذه الأمة فيصيب ويخطئُ، ويظهر فضلا ويدس مكيدة. . . أنت حين ترى هذا وترى ما في دراسة التاريخ العربي والأدب من عناءٍ وعنتٍ لا يتأتى لك بعدُ إلا أن تحْمَدَهُ وتشكر له ما أسدى إلى أمته من جميل. هذا وقد وضع المؤلف كتابهُ في أربعة أبواب في كل باب فصول، وفي الجزء الذي بين أيدينا الباب الأول منهُ: في الحياة الاجتماعية في العصر العباسيّ من (سنة ١٣٢ - ٢٣٢ هـ) واجتزأ منها بما له أثر قوىٌّ في العلم والفنّ. والباب الثاني: في الثقافات المختلفة دينية وغير دينية. وأرصد باب "الحركات العلمية" وباب "المذاهب الدينية" ليجعلهما من نصيب الجزء الثاني الذي وعد بتقديمه إلى القراء قبل أن يفرغوا من قراءَة هذا الجزء. فوفاءً بحقّ هذا الكتاب الجيد نبذل جهدنا في الكلام عنهُ والتعرض لما فيهِ موجزين إن شاءَ الله وبالله التوفيق.
تحرير القول في الأحوال الاجتماعية والعلم والفنّ وأثر أحدها في الآخر من أعسر ما يتعرض له الكتَّاب فإن الجليل من أحدها له من التأثير مثل الذي لحقيره، وإن من صغير أحوال المجتمع لما يزيد في العلم والفن أو ينقص منهما، وإن من حقير العلم والفن لمَا يزيد في أحوال المجتمع أو ينقص منها إذ تترافد هذه الثلاثة. حتى إذا ما أردت أن تعرف أيها الذي أثّر تأثيرًا قويًّا أو ضعيفًا وأيها الذي تأثّر التوى عليك المسلك ووقعت في الحيرة واضطربت اضطراب من ضلّ بهِ دليلُهُ. فمن أجل ذلك ما ينكُصُ كثير من المؤلفين عن تناول هذا إلا في الندرة. وغاية ما