الرأي أن تتحول أنت عن هؤلاء البلداء إلى من تجد عنده من الانبعاث إلى العمل ما لا يجد معه وقتًا يضيعه في ترجيح بعض ما يختلف عليه على بعض آخر.
فالطريق الآن إلى الحياة الجديدة أن يتحول الشرق عن أصحاب الاختلاف والمنابذة وعلم الآراء التي يضرب بعضها وجوه بعض تناقضًا وتباينًا وافتراقًا، وأن يصغى إلى حنين النفوس المتألمة التي تحن وتئن من أشواقها، فيتجاوب حنينها نغمًا روحيًا فيه حركة الحياة، وحرارة الوجد، وأضواء الأمل. وعندئذ يستجيب القلب للقلب، وتستمد الروح من الروح، وتثور الأشواق الخالدة في القلوب الطامحة والأرواح السامية، وبذلك تستحث الحياةُ الحياةَ إلى الغاية التي يرمى إليها الشرق بأبصاره من تاريخه ومن وراء التاريخ.
إن عمل العامل في أول الطريق غير عمله في آخره، فنحن سوف نبدأ -وسنبدأ بإذن الله-، فعملنا الآن هو إنقاذ أرواح الملايين من الموت ومن الفتور ومن الكسل، وليس عملنا أن نضع الأسس العلمية أو السياسية أو الأدبية لأرواح موات لا حركة فيها ولا انبعاث لها. وما جدوى علم لا روح فيه؟ أو سياسة لا نشاط فيها؟ أو أدب لا قلب له؟
إن عمل من يريد أن يعمل اليوم هو أن ينفخ في صور جديد يكون صوته فزعًا جديدًا مع الفزع الأكبر الذي نحن فيه، حتى تنبعث الأمم الشرقية من أجداثها ثائرة حثيثة قد احتشدت في ساحة الجهاد تلمع قسماتها بذلك اللهيب المتضرم الذي يتوقد بالأشواق، وتلمح نظراتها لمحًا بالشعاع الظامئ المتوهج بالأماني المرهقة المتسعرة، وتتجلى في كل عضو منها تلك القوة المعروفة في العضلات المفتولة، يخيل لمبصرها أنها تكاد تنفجر من ضغط الدم في أنهارها وأعصابها لولا ما يمسكها من جلدة البدن.
يومئذ يكون جواب الشرق عن سؤاله: من أنا؟ عملًا صامتًا لا يتكلم، لأنه لا يضيع أيامه في إسماع الزمن الأصم أساطيره الباطلة التي يرويها عن أحلام البلادة والجهل والخمول.