المعاني وأشباهها لا نبل فيها ولا شرف. وأختصر هذا التفصيل إلى ما تحققته أنا في نفسي من معنى العداوة، ولست أشك أنك قد تحققت مثله، وأن كثيرين غيرنا عرفوه وأدركوه. فنحن نعادى الاستعمار -مثلا- لما فيه من بذاءة العدوان على أصحاب الحرية، ولما فيه من فجور الطغيان على الضعيف العاجز، ولما فيه من الشره على احتياز الخير لنفسه ومنعه عن أهله ومن هم أحق به، ولما فيه من خسة الهدف لأنه يعمل على إسقاط همم الناس والتغرير بهم وتنويمهم حتى لا يفيقوا فيستخرجوا حقهم بأيديهم من الغاصب، ولما فيه من لؤم الطبيعة الدافعة إلى احتقار جماعات من البشر، لا لشيء إلا لحب المال وحب السيطرة، وحب العلو في الأرض، ولما فيه من التفريق بين بنى آدم على أساس المعدة والشهوة والترف، ولآلاف من المعاني الرديئة التي لا يحصيها حصر، ولا يجهلها سليم الفطرة من الناس.
فنحن نعادى إذن هذه المعاني الخسيسة، لنحب أضدادها من المعاني النبيلة، وذلك لا يتيسر إلا بإدراك كل هذه الخساسة التي يتضمنها الاستعمار، فإذا أدركناها فعلينا أن نجتنبها في الخاص من أمورنا نحن وفي العام منها. فأول معاني العداوة إذن هو إدراك الخسيس وتجنبه، وإدراك النبيل والعمل به والحرص عليه. وتحصيل ذلك يتطلب من كل فرد يعادى الاستعمار أن يدور بعينيه وبرأيه وبفكره في كل ما يحيط به ليعرف مواضع الخسة واللؤم والبذاءة، ويفعل مثل ذلك في تمييز المروءة والنبل والطهارة وأعمال الفضيلة، ويمثل معانيها أعمالا في نفسه باتباعها، وبدعوة إخوانه إلى فعل ما يفعل، ونهيهم عن ارتكاب هذا الحشد البغيض من مثالب الاستعمار، وأخلاقه التي أنشأته ومكنت له في الأرض.
ونحن لا نعادى الاستعمار، إذا نحن لجأنا في مقاومته وقتاله إلى نفس الأخلاق التي منها نبع. ولا نعادى الاستعمار إذا عشنا حياتنا بما يعيش هو به من الطغيان على الضعيف والعاجز، ومن الشره الظالم لحقوق الناس، ومن الخسة في التغرير بهم وتنويمهم وإسقاط هممهم، ومن لؤم الطبيعة في إحتقار بعضنا بعضا، ومن حب المال والسيطرة والعلو في الأرض، ومن جعل حياتنا معدة وشهوة وترفا