للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ومتاعا لا نبالى معه أن نظلم ضعيفا، أو نجور على غير قادر، أو نغتال حق رجل منا لا فضل لنا عليه ولا ميزة، إلا أن يكون فضلا مغتصبا، وميزة ندعيها.

وإذن فالعداوة، إدراك صحيح، وعمل صادق، إذا لم يتحققا جميعا صارت العداوة لغطا نتشدق به، لا معنى له ولا خير فيه. وهي شيء ينبغي أن يحققه كل فرد بنفسه وفي نفسه أولا، مستقلا عن سواه بمجهوده وعمله، ثم يصير الأمر عمل جماعة لأن الفكرة الواحدة كالضوء مصدرها واحد، ولكنها تجمع الآلاف وتنير لهم الطريق، كل على قدر ما يستطيع، وبقدر ما أوتى من بصر ومعرفة، فكلهم يعمل، لأنه يرى ويبصر ماذا يعمل وفيم يعمل. هذه واحدة، لعلى وفقت في بيان بعض معانيها.

أما لمن تكون العداوة؟ فأظننى قد بينت عن العدو، وهو الاستعمار، ولكنه بيان غير كاف. وأشهدك على أن بيانه متعبة شديدة، فهو متلبس بكل شيء. متلبس بهذه الدول الطاغية التي تتناحر فيما بينها على غير معنى نبيل للحياة الإنسانية، والتي اعتدت على أكبر جزء من العالم لتستغله وتستعبده، وتبقيه أبدا غير مطيق للنهوض بنفسه، إلا معتمدا عليها. وهو متلبس بنفس الحضارة، التي تحاول أن تزعم نفسها حضارة إنسانية شاملة، وهي ليست إلا حضارة نابتة في جزء صغير من العالم، ويريد أن يفرضها على العالم كله بسيئاتها جميعا، وذلك الجزء الضخم من العالم لم يشترك في إيجادها ولا في رعايتها ولا في إمدادها والقيام عليها. وهي حضارة لا تقوم على فكرة تدعو إليها، بل على سيطرة تريد أن تضربها على قلوب الناس وعيونهم وبصائرهم، ولا أصل لها في هذه القلوب، وهي لا تهدى عيونهم، ولا تنير بصائرهم، بل تقودهم بعمى الشهوات والفتن والجهالة، إلى غرض واحد، هو أن يعيش هذا الضرب من الحضارة سيدا على هذه الأرض.

فنحن إذن ينبغي أن نعادى شيئا كثيرا، بل أشياء كثيرة تعترف عقول كثيرة أيضا بأنه جزء لا غنى عنه للحياة الإنسانية فيما يزعمون، ولكن هل يمنع ذلك أن يكون الحق حقا أبدا؟ مهما تنوعت أسماء الدول المستعمرة، ومهما كثرت،