العقل أن يلقب أحد ولده بهذه المذمة القبيحة وهو ينصبه للناس خليفة، وقد لقب أخوه من قبل بالمنصور. نعم قد سمت العرب في جاهليتها بالأسماء المنكرة، ولكن الإسلام جاء فحسم ذلك كله، ولم يبق من التلقيب والتسمية بالمنكر من الألفاظ شيء في أكثر البادية العربية، فكيف في الحضر ثم في أعظم بيوت الحضر، وهو بيت العباس؟ وقد كان لهم في رسول الله أسوة حسنة فهو قد غير أسماء كثير من الوافدين عليه من أصحابه "كزحم بن معبد" فسماه بشيرًا، وجميلة امرأة عمر بن الخطاب وكان اسمها "عاصية" وخلق كثير.
وعلى هذا الأصل نرى أن الناس في صدر الإسلام سموا "السفاح" فمنهم: السفاح بن مطر الشيباني، وهو ممن ولد في النصف الثاني من المائة الأولى للهجرة وكان من أصحاب الحديث، والسفاح أخو أبي سلمة بن عبد الرحمن الزبيدي لأمه وهو من التابعين، وقد روى عن أبي هريرة وغيرهما. ولا شك أن التسمية هنا منصرفة إلى المدح لا إلى الذم، فصفة أبي العباس السفاح هي إلى العطاء والكرم كما ذهب الأستاذ العبادي أولًا، ثم رجع حين تعقبه الأستاذ أحمد أمين.
أما النص الذي نقله الأستاذ عن اليعقوبي من أنه قال: عبد الله بن علي الأصغر وهو السفاح"، وهو عمّ أبي العباس والمنصور، فإن أصله منقول من ابن سعد في طبقاته حين ذكر أولاد علي بن عبد الله بن عباس فقال: "عبد الله بن علي الأكبر. . . وعبد الله بن علي الأصغر السفاح الذي خرج بالشام"، فهذا هو الأصل ولا يرى فيه إرادة التلقيب كالذي يرى من نص اليعقوبي، وإنما هي صفة كالسفاك والقتال. نعم، وأنا لا أدري كيف ادعى الأستاذ العبادي أنه اشتهر بذلك فانتقلت هذه الصفة إلى أبي العباس أمير المؤمنين، فإن الطبري وأئمة المؤرخين قد ذكروا عبد الله بن علي عم أبي العباس وأبي جعفر في أكثر من خمسين موضعًا ولم يلقبه أحدهم بهذا اللقب، فكيف يمكن أن ندعي أنه اشتهر به حتى كان من جراء هذه الشهرة أن اختلط على الناس وعلى الأدباء وعلى فلان وفلان كالجاحظ وابن قتيبة فوضعوا صفة "عبد الله بن عليّ" صفة "لعبد الله بن محمد" على قرب العهد. وكيف جاز أن يقع في ذلك الجاحظ في روايته، وهو أدق العلماء