للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وتلخيص القول في ذلك: أن "الواو" إذا كانت في أول الكلمة، فلها ثلاثة وجوه: إما مضمومة، وإما مكسورة، وإما مفتوحة، فإذا كانت الواو مضمومة، فيكاد يكون قياسا مطردًا في العربية أن تقلب الواو همزة. فمن ذلك في القرآن العظيم، في سورة المرسلات: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ}، وهي من "الوقت"، وقرأ أبو عمرو وابن ورداك: {وَإِذَا الرُّسُلُ وقِّتَتْ} بواو مضمومة، وهو الأصل. وقالوا في "وجوه" جمع "وجه" "أجوه"، وغيرها كثير.

وإذا كانت الواو الأولى مكسورة، فقياس مطرد أيضا أن تقلب همزة، نحو قولهم في "وسادة" "إسادة" وفي "وشاح"، "إشاح" وغيرهما كثير أيضا.

وأما إذا كانت الواو الأولى مفتوحة، وهو الذي عندنا هنا في "وندلس" و"أندلس"، فقلب الواو المفتوحة قليل في العربية، وليس قياسا مطردا، ومع ذلك فهو كثير أيضا على الوجهين، أي أن تقلب الواو الأولى المفتوحة همزة، وأن تقلب الهمزة المفتوحة واوا. وذلك نحو: قولنا "وحد" فتقول "أحد" بفتحتين، وهو من "الوحدة" بلا ريب، وقولهم أيضا: "امرأة وَناة"، أي كسول، بطيئة القيام فيها فتور من طول النعمة، فقالوا: "امرأة أناة"، وقالوا للجبل الصغير "وَجَم" بالواو، فقالوا فيه "أَجَم" وقالوا: "وَسِنَ الرجل" و"أَسنَ"، إذا غُشِىَ عليه من نتن ريح البئر، وقالوا: "وَكدت العهد" و"أَكدته"، وقالوا "وَلَته حقه" و"أَلَته حقه" أي نقصه حقه، وقالوا: "ورَّخْتُ الكتاب"، و"أَرخته"، وقالوا "وَرشْتُ بين القوم، وأرشت بينهم"، أي أفسدت ما بينهم وحَرَّشت بعضهم على بعض، وقالوا: "ما وَبَهْت له، وما أَبَهْت له" أي ما فطنت له، أو ما باليت به لقلته وتفاهته، وقالوا "وج" وهو اسم بلدة الطائف بالحجاز و"أج" بفتح الهمزة، وقالوا "وَجْه، أَجه" لوجه الإنسان، وغير هذا كثير، فضلا عن قلب الواو همزة إذا كانت في وسط الكلمة أو في طرفها.

وإذن فالأمر على خلف ما يعتقد الدكتور الطاهر، من إنكاره قلب الواو همزة، وأن العربية لا تعرف هذا القلب أبدا.