ما يعالجه في كتبه ومقالاته. فأنا أحب أن تكون على بينة من رأيي، لكي تبنى حكمك وقضاءك بيننا على بصيرة.
ليس الأمر أمر (خصومة)، ولكنه أمر خلاف، خلاف بعيد الجذور. يبلغ حد التباين الكامل في الأصول. وهذا التباين الكامل في الأصول يفضى إلى تباين كامل في الآراء التي تنبع من هذه الأصول. وهذا التباين كان معروفا واضحا عندي وعند الدكتور طه على السواء منذ عرفته إلى أن فرق بيننا الأجل المُسَمَّى. وأنا لم أكتب شيئا كثيرا في نقد أعمال الدكتور طه وآرائه مدة حياته، ولكن الذي كتبته على قِلَّته كان يحمل في ثناياه وجوه التباين في الأصول، وفي طريقة تناول الأدب والتاريخ، وفي أسلوب تكوين التفاصيل التي تبنى عليها الصورة التي يصورها الكاتب بقلمه وبيانه، فمن أجل ذلك كان حكمى واضحا صريحا على كثير مما كتبه في التاريخ والأدب، ككتابه "على هامش السيرة"، وكتابه "الفتنة الكبرى"، وسائر هذه الفصيلة، وأنها بُنِيَت بناء فاسدًا كل الفساد، بفساد التفاصيل التي أعدها ونظر فيها واستخرج منها مادة كتابته، ولما جئت إلى النظر في كتابه "مع المتنبي"، كان بينا فيما كتبت، مقدار الاختلاف بين الأصول التي يصطنعها الدكتور طه، وبين أصولى التي أبنى عليها ما أكتب. ودع عنك مسألة الاستلهام أو الاجتهاد، أو الاستعارة، أو "الاستلال في خفة" فإنها ليست كل المسألة. ليست الجوهر، بل هي العرض، كما يقول أصحاب المنطق.
كنت أحب أن تتوقف عند هذا، لأن قضاءك كان محتاجا إليه، لتنصف في القضية. ولكنك أغضيت عن التباين في الأصول، فلم تجد تفسيرا لما تجده عندي إلا (الخصومة) الداعية إلى الجور. وعلى كل حال، فعسى أن أكون قد أزلت بهذه الكلمة القصيرة، ما أوقعتنى فيه المقالة الأولى، من التدليس عليك أو على القراء. لا (خصومة) بيني وبين الدكتور طه، نعم، ولكن بيني وبينه خلاف يبلغ حد التباين في الأصول، يجعل حكمى على كثير مما كتب أشد مما هو ظاهر فيما كتبته في كتابى "المتنبي" أو غيره من المقالات. وهذا حسبنا إن شاء الله. ونعود الآن إلى ما كنا فيه، بعد أن فرغنا من الثالثة.