للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبهم الدلالة القابل للتنوع والتعدد بلا شيء يعين على تميزه وتعينه -كان هذا اللفظ محور المفاوضة بيني وبينه، كما كان من قبل محور المفاوضة بيني وبين أساتذتى الكبار، على رأسهم شيخى المرصفي، فيعرض عليّ من يعرض، ويربت على خيلاء شبابى من يربت، ولكني كنت في خلال مفاوضتى لجميعهم، أغرق هذا اللفظ إغراقا في أشباه أقولها، هي "وراء التذوق"، بيد أنني كنت لا أحسن العبارة عنها إحسانا يعين عليّ.

وقد حدثت الدكتور طه مرارا، وأنا أجادله يومئذ فأطيل، بالذي كنت أجده في نفسي ولا أحسن العبارة عنه، أي بما هو "وراء التذوق"، فكان يصغى إلى أحيانا كثيرة، ثم ينتهي إلى أن يمصمص بطرفه لسانه، وبزهوه وخيلائه وإفراطه في الإعجاب بنفسه، لا يكون رده عليّ إلَّا سخرية بي وبما أقول. كان زهوه يجعله لا يصبر، فلم يفهم عني مرة واحدة كل الفهم أو بعض الفهم. لم أكن أبالى بسخريته، فقد ألفتها منذ قديم، وألفت استخفافه بالناس جميعًا سوى نفسه، "شِنْشِنَة أَعرِفُها مِن أَخْزم"، كما يقال في المثل، (والشنشنة: الخليقة والسجية المغروزة في الطبيعة). هذا، على أنه كان له يومئذ كل العذر في خيلائه واستخفافه، لأن ذيوع صيته بفعل المعارضة التي لقيها كتابه "في الشعر الجاهلي"، بلغ مبلغا مثيرا، فهو طائر محلق في جو السماء، كل شيء يقع عليه بصره يتضاءل ويصغر، كلما أمعن في العلو والتصعيد وهو معذور أيضًا، لأنه كان يومئذ في الثامنة والثلاثين من عمره، وكان يحس أنه أصبح مشروعا معدا ناضجا، قابلا للتنفيذ، أي هو في طريقه إلى أن ينقلب أستاذا كبيرا، فلابد له من التشبع بسُنن "الأساتذة الكبار" في الزهو والعجب والاستخفاف. ومع الزهو والعجب والخيلاء" لم أجد عنده صبرا أو استجابة، أو محاولة، لفهم ما أقول، كاستجابة المرصفي شيخى وشيخه هو أيضًا. ذهب كل كلام بيني وبينه هذرا باطلا، هكذا ظننت يومئذ! ولكن. . ولكني قد قصصتُ قصة تذكُّره لهذا الحديث البعيد، وظهور أثره فيما كتبه في جريدة الجهاد سنة ١٩٣٥، حين أحس أن العرش يهتز من تحته، قصصتها في كتابى (المتنبي ١: ٤١ - ٤٧) وفي مواضع أخرى، ثم ما فوجئ به عند ظهور كتابى عن المتنبي سنة ١٩٣٦، حيث استبان له أنى