تتطلب منا -إذا أردنا تحري الدقة- بحثا هادئًا يبدأ بقراءة أجزاء هذا الكتاب نفسه، والوقوف طويلًا عند صفحاته، وتأمل عباراته وسطوره، واستخراج هذه الألفاظ التي ترى أنها مفسدة للعقول، كل لفظ حسب موقعه من السطر والصفحة والجزء، ولنرى بعد ذلك حاصل ما يجتمع لدينا من هذه الألفاظ. عندئذ سوف نجد أن ما يجتمع لدينا لا يزيد عن الصفحة أو الصفحتين على أكثر تقدير من الألفاظ المتكررة منتشرة على صفحات المجلدات الأربعة من كتاب ألف ليلة وليلة.
وتأتي الخطوة الثانية بأن نسأل عما لدينا من ألفاظ مكشوفة جمعناها من الكتاب وهل هذه الألفاظ المكشوفة معروفة لنا أم مجهولة؟ وهل لكوننا لا نستعمل هذه الألفاظ في كتاباتنا معناه اتهامها ومحاكمتها؟
بعد ذلك تأتي الخطوة الثالثة وهي حول بحث درجة تأثير هذه الألفاظ المكشوفة كل على حدة. إذا فعلنا ذلك فسوف لا نجد لها أي تأثير. بل إننا إذا قمنا بمقارنة هذه الألفاظ المكشوفة التي نستهجنها ونطالب بمحاكمتها بغيرها من الصور والتراكيب التي تزخر بها كتابات هذا الزمان نجد أن هذه الألفاظ أرحم بكثير مما تقرأه من صور وتراكيب مصنوعة وموضوعة على الصفحات بأسلوب معين يجعل لها أكبر التأثير بالنسبة لأبنائنا وبناتنا.
أقول ذلك بالنسبة للكلمة المقروءة أما بالنسبة للكلمة المسموعة أو المشاهدة فالأمر جد فادح وخطير. وإلا فليجلس أحدنا ساعة أو بعض ساعة أمام شاشة التليفزيون، ولا أقول الفيديو بالطبع، بعد هذه الساعة سوف يحكم أن ما جاء في كتاب ألف ليلة وليلة أرحم بكثير مما يشاهد. وإذا فعل هذا الأمر مع الإذاعة فأسلم أذنيه لما يصدر عن المذياع لاكتشف أن أمر ألفاظ ألف ليلة وليلة أرحم.
وليس معنى هذا أن نلغي من حياتنا الفيديو أو التليفزيون أو المذياع ومن قبلها كتابات توفيق الحكيم ونجيب محفوظ وإحسان عبد القدوس وغيرهم. بالقطع لا. والسبب أن الحياة مليئة بالأشياء المتلفة، وأنت لا تستطيع أن توقفها. فقط