للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

القراء. . . تعلمني به ما غاب عني من "القرآن وهو في صدري، والتفسير والحديث واللغة وهي شواغلى" -كما تقول- وأنا لا أضن عليك، أيها الصديق، بما يجعل لحشدك هذا -الذي رُعْتنا به حين قذفته علينا- قِرانًا ونظامًا يسلك فيه ويمضي عليه، ويَعرف به من لا يعرف سرّ البيان وكيف يكون مجازه على طريق اللسان العربي المبين! !

فأصل الحرف "زلزل" من "زلّ الشيء إذا زلق فتحرك فتدأدأ، فمر مرًّا سريعًا في ذهابه عن مستقره". فلما ضعَّفت العرب الحرف، فقالوا: "زلزل وتزلزل"، ضاعفوا معنى هذه الحركة، فكان معناها الحركة الشديدة العظيمة والاضطراب والتزعزع، وتكرار هذه الحركة مرة بعد مرة، حتى كأن بعض الشيء يَزِلُّ عن مكانه، فينقضّ على بعض ويتساقط ويتقوض. وإذن، فشرط مجاز هذا الحرف أن يكون لشيء يتحرك حركة عظيمة شديدة، فالرجل يتزلزل، والأقدام والأيدي والرؤوس والقلوب وما إليها من أعضاء الإنسان المتحركة حركة ما، وكذلك الحيوان كالإبل جاء راعيها بها "يزلزلها" أي يسوقها سَوقًا عنيفًا كأنها تزلّ معه مرة بعد مرة، والمكيل في مكياله كالبُرّ والشعير، كلٌّ يتزلزل لأنه يحرك فيتحرك، والدار والأرض والدنيا كلها تتزلزل لأنها تتحرك أو يجوز عليها الحركة فيتهدم بعضها على بعض، والنفس كذلك لأنها تضطرب في حيزوم المحتضر اضطرابًا شديدًا يتجلى في الكرب الذي يلحقه والضيق الذي يأخذه، فينتزع الأنفاس، ويضطرب القلب بالنبض الشديد، ويزيغ البصر، وتتحرك اليد والرجل في الحشرجة حركة كثيرة شديدة بتردُّد النفس في نزاع الموت والحياة. ومع ذلك فأنا أدع أشياء كثيرة لا أتناولك منها أيها الصديق.

أما الأُذن. . . فالإنسان من بين جميع الحيوان هو الذي لا يحرك أذنيه البتة، لا في طرب ولا غضب، فما بالك وهي ليست مجرد حركة، وإنما هي حركة شديدةٌ مهدِّمة لأنها زلزلة. فإذا علمت ذلك وتلقَّيته وتدبرته وأحكمته ولم يأخذك العناد عليه عرفت أنه لا يمكن أن تقول "أُذني زلزلت" لأن الزلزلة تتطلب أصلها المقرر وهو الحركة والانتقال والزّلةُ بعد الزّلة من مكان إلى مكان ولو على وجه