للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما قاربته قلت: عزاءك يا أبا عبد الله؛ قال عروة: فيم تعزيني يا أبا الخطاب؟ إن كنت تعزيني برجلي فقد احتسبتها لله، قلت: رضى الله عنك، بأبي أنت وأمي، بل أعزِّيك "بزيْن المواكب"، فدهش وتلفَّت ولم ير إلا هشامًا ولده، فرأيت في وجهه المعرفة ثم هدأ فقال: ما لَهُ يا أبا الخطاب؟ فجلست إليه وتحلّق الناس حوالينا وتكنَّفُونا، وأخذت أحدِّثه بشأنه، ووالله ما يزيد على أن يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله، إنّا لله وإنا إليه راجعون، فلما فرغت من خبري ما زاد على أن قال:

وكنتُ إذا الأيامُ أحدثنَ هالكا ... أقول شوًى ما لمْ يُصبنَ حَميمي (١)

ثم رفع وجهه إلى السماء وقد تندّت عيناه ثم قال: اللهم إنه كان لي أطراف أربعة فأخذت واحدًا وأبقيت لي ثلاثة، فلك الحمد فيما أخذت وأبقيت، اللهم أخذت عضوًا وتركت أعضاء، وأخذت ابنًا وتركت أبناء، وأيْمُ الله لئن كنت أخذت لقد أبقيتَ، ولئن ابتليت لطالما عافيت، سبحانك ربنا إليك المصير. قوموا إلى جهار أخيكم يرحمكم الله، وانظروا لا تكون عليه نائحة ولا مُعْوِلة فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن النياحة، ومُرُوهنَّ بالصبر للصدمة فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أتى على امرأة تبكى صبيًّا لها فقال لها: اتقي الله واصبري، فقالت: وما تبالي بمصيبتي! فلما ذهب قيل لها: إنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فأخذها مثل الموت، فأتت بابه فلم تجد على بابه بوابين فقالت: يا رسول الله لم أعرفك، فقال - صلى الله عليه وسلم -: إنما الصبر عند أول الصدمة.

وجزاك الله خيرًا عني وعن ولدي يا أمير المؤمنين، {فَلِلَّهِ الْحَمْدُ رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَرَبِّ الْأَرْضِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٣٦) وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}.


(١) الشَّوَى: اليسير الهيِّن.