يكن واحد منها داخل الكعبة ولا حولها". ثم استشهد قول ابن الكلبي في كتاب الأصنام، حين ذكر مواضع هذه الأوثان الثلاثة. وقد كان اعترض بعض أصحابنا قبل ذلك -في مجلس الأستاذ الزيات- بمثل ما اعترض به الأخ صبري، فرُمتُ أن أقول: إن وجود هذه الثلاثة في الكعبة أو حولها ليس يَمْتَنِع: وذلك لأن ابن سعد ذكر في طبقاته أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - طاف بالبيت -بعد فتح مكة- وهو على راحلته، وحول الكعبة ثلاثمائة وستون صنما، فجعل كلما مر بصنم منها يشير إليه بقضيب في يده ويقول:{جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا}. فيقع الصنم لوجهه. وابن الكلبي لم يعد لنا في كتابه الأصنام غير أسماء ثلاثين صنما، وزاد زكي باشا عليها تسعة وأربعين صنما، فهذه خمسة وسبعون (١)، فأين هي من ثلاثمائة وستين؟ . . . . وما كانت كل هذه الأمة من الأصنام إذن -إن لم يكن منها اللّات والعُزّى ومَنَاة، وهي أشهر أصنام الجاهلية، وهي المذكورة في القرآن في سورة النجم، وقد كان نزولها بمكة، وما أظنها تذكر بأسمائها إلا وكفار قريش يعظمونها، فإذا عظموها اتخذوها في الكعبة وهي بيتهم المعظم، كما كانوا يتخذون الأصنام في بيوتهم ودورهم. ثم رأيت أخيرًا أن ابن سعد يذكر في فتح مكة أن رسول الله بث السرايا إلى الأصنام التي حول الكعبة فكسرها، منها: "العزى، ومناة، وسواع، وبوانة، وذو الكفين. فنادى مناديه بمكة: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يَدَع في بيته صنما إلا كسره".
ثم جاء كلام أبي جعفر الطبري في تفسير سورة النجم ج ٢٧ ص ٣٦ يقطع الشك باليقين إذ يقول. "وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة يقول: اللات والعزّى ومناة الثالثة -أصنام من حجارة كانت في جوف الكعبة يعبدونها"، وهذا هو المعقول، وليس من المعقول أن تخلو كل هذه الأمة من الأصنام التي كانت حول الكعبة من تماثيل منصوبة للات والعزى ومناة الثالثة، وهذا ليس يمنع أن تكون القبائل غير قريش مكة قد اتخذت لها أنصابًا نصبتها في الأماكن التي ذكرها ابن الكلبي وغيره.