مجازيًا، فإذا خلعت "على" عنه الصدم الحقيقي بقي الصدم المجازي مكتومًا فيه قائمًا مقام الصدم الحقيقي، وإذا كان ذلك فلابد من حدوث تغير في الفعل وفي معناه، لأن الصدم قد انتقل من معناه الحقيقي إلى معناه المجازي، والصدم وفاعله سببان في "عثر" التي تدل على حركة السقوط. فإذا صار الصدم من الحقيقة إلى المجاز -وهو أحد مقومات حركة السقوط- فلابد من أن تصير "عثر" إلى المجاز أيضًا لأنها صارت مسببة عن مجاز.
فأنت ترى أن هذا الفعل لم ينقله من الحقيقة إلى المجاز إلا حرف واحد هو "على" الذي يدل على استعلاء مطلق يناقض معنى الصدم الحقيقي الذي كان ثابتًا في الفعل بدلالة التضمن أو الالتزام.
وعلى ذلك لا يزال هذا الفعل مع "على" يدل على حركة السقوط المجازية، ويتضمن بدلالة الالتزام فاعل هذه الحركة، وفعله وهو الصدم المجازي، ثم حالة التنبه والتماسك قبل هذه الحركة، ثم عدم التوقع أو الاتفاق، وهذا بعينه ما يريده الأخ "مندور" بقوله في تأويل "عثرت به" أنه لاقاه اتفاقًا.
وانظر الآن إلى سليقة هذه اللغة فإنها إذا كانت قد جعلت مصدر "عثر وعثر به" و"عثر فيه" عِثارًا بوزن "فِعال" الدال على عيوب الحركة، أو على الحركة نفسها: كالمِزَاح والضِّرَاب والنِّزَال، والصِّرَاع، فإنها تجعل مصدر "عثر عليه" عثورًا على وزن "فُعول" الذي يدل أكثره على مجرد الحركة، كالنزول، والسقوط، والقعود، والجلوس، والشرود، والنفور، والجموح، والطموح؟ وبذلك خالفت بين المصدرين مع اشتراك الوزنين في معنى الحركة، لأن الفعل انتقل من الحقيقة إلى المجاز.
وفي الآيتين من كتاب الله: المائدة (١١٠){فَإِنْ عُثِرَ عَلَى أَنَّهُمَا اسْتَحَقَّا إِثْمًا}، وآية أصحاب الكهف (٢٠){وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ} جاء الفعل بالمعنى المجازي الذي يقتضي حركة السقوط المجازية، والصدم المجازي، وحالة التنبه والتماسك قبل حركة السقوط. وعدم التوقع أي الوقوف على الشيء بغير طلب أو بحث أو كشف.