للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يحرص أشد الحرص على بيان ما يرى وما يُراقب، فإن الجيل الماضي الذي صارت إلى يديه مقاليد الحكم في مصر غافل كل الغفلة عن الآمال والآلام التي تساور القلوب المصرية الشابة، وجاهل كل الجهل بالمولود الجديد الذي ولد في أرض مصر وشب ونشأ واستوى وكاد يبلغ مبالغ الرجال. يقول قائل الشباب:

"لقد خرجت مصر كلها، عالمها وجاهلها وغنيها وفقيرها، تنادى يومًا ما باسم "الجلاء" وباسم "وحدة وادي النيل من منبعه إلى مصبه" وباسم البلد الواحد الذي هو "مصر والسودان". والشعوب أو الجماهير إن شئت، لا تعرف تفاصيل التاريخ ولا يهمها أن تعرف، بل هي تحس وتدرك وتتمنى وتسعى وتفعل كل شيء بالإلهام الذي يسدّده الفطرة المستقيمة، وهذه الفطرة المستقيمة إذا نظرت إلى شيء استوعبت لُبَّه وطرحت نُفايته. ولقد نظر الشعب المصري بفطرته المستقيمة فرأى دولة طاغية تحتل سماء بلاده وأرضها وبحارها، بل تحتل أرزاقها المقسومة لأهلها من طعام وشراب، وتشاركها في نسمات الهواء بل تضيق عليها أيضًا، وتحرمها النفحة بعد النفحة من هذه النسمات، وإذن فهي تمنع عنها ما هو مباح للوحوش في مساربها، والبهائم في مراعيها، والطير في مسابحها. وإذن فلابد من أن تظفر بما يظفر به أدنأ الخلائق وأهونها على الناس وعلى الله ربَّها وربهم وإذن فالشعب لن يعرف إلا كلمة واحدة هي: "الجلاء ولا ينادى إلا بشيء واحد هو: "اخرج من بلادي أيها الغاصب"، ولا يعرف من التاريخ ولا من السياسة ولا من البراعة والحذق في الدهاء إلا أن هذا غاصب واقف بالمرصاد يغتاله ويغتال أسباب حياته، ويرمى به في الرغام ليعيش هو في رغد وفي بحبوحة.

"قام الشعب فأسمع من كانت له أذنان، فإذا فئة من محترفي السياسة، ومن كل محتال عليم اللسان، ومن كل وجيه زيَّنَه ماله وغناه، ومن كل ذي صيتٍ رفعته الأقدار بالحق أو بالباطل -قد هبُّوا جميعًا مع الشعب يقولون بمثل الذي يقول، فظن الشعب أنهم قد صدقوا بعد ماضٍ كذَبَ على التاريخ وعليهم فرضى عنهم وأعانهم، ولكن لم يلبث إلا قليلا حتى رأي الوادي يموج عليه بالحيَّات