للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بأنهم "حثالة التاريخ الإنساني"، وأعمل مِعْولًا لم يفلَّ أبدًا في صَرْح الاحتلال. فما الَّذي جدَّ الآن يجعله يؤثر "السلامة والسكوت"! ولكن أنَّى لهذه النفس التي تَأْبَى أن تَتهضَّم أن تركن للصمت، وأنَّى لهذه النفس التي حملت سلاحًا مغموسًا في المداد تدافع به عن الحرية وكرامة الإنسان أن تستكين، وهي نفس إذا أُخِذَت بالعَسْف والاقتسار انقلب الَّذي فيها ضاريًا لا يُطيق ولا يُطاق. لذا يخاطب الأستاذَ الزيات في آخر المقال بقوله "وإذنْ قد كُتِبَ عليَّ أن أنصب وجهي لهذا الشقاء الصَّيْخُود، لا أبالي أن أحترق، ولا أحفل أن أعود سالمًا ولا آبه لما يصيبني، مادام حقًا علي أداؤه. . . . فمنذ حملتُ إليك هذا القلم، استجابة لدعوة لم أجد ردَّها من الأدب ولا من الوفاء في شيء، عرفتُ أنى سوف أكتب كما كنت أكتب قديمًا، لأتعجل انبعاث رجل من غمار أربعمائة مليون من العرب والمسلمين، تسمع يومئذ لحكمته الأجِنَّة في بطون أمَّهاتها، وتهتدي بهديه الذرارِي في أصلاب الآباء والأمَّهات، ولكنك بعدُ قد أنزلتني بحيث يقول القائل:

حيث طابتْ شرائعُ الموت، والمو ... تُ مِرارًا يكون عَذْبَ الحِياضِ" (١)

خاب ظن الأستاذ شاكر في الرجل الَّذي خرج من غمار الشعب المصري المسكين، ظنَّه رجله المنتظر ولكن لأَيْا ما تبيَّن غير ذلك، فولَّى وجهه شطر الأمة الإسلامية كلها ينفضها بناظريه يترقَّب خروج هذا الرجل من غمار أربعمائة مليون من العرب والمسلمين. رأى الأستاذ شاكر بعد ثورة ١٩٥٢ بلاء نازلًا يخوضه الناس كأنه رحمة مُهْداة. ورأى حيث تلفَّتَ وجوها تكذِب، ووجوهًا مَكْذُوبًا عليها. وسمع أصواتًا تَخْدَع، وآذانا مَخْدُوعة بما تَسْمَع، وقرأ كلامًا مَغْموسًا في النفاق، وشاهد بطشًا وبغيًا. فأوجس في نفسه خيفة واستشعر خطرًا مُحَوِّمًا، ومن ثم تستطيع أن تفهم لماذا قال إنه نصب وجهه لهذا الشقاء الصيخود،


(١) انظر ١: ٥٨٧ من المقالات.

<<  <  ج: ص:  >  >>