للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

معناه أن هؤلاء الساسة قوم تصرفهم أهواؤهم، لا حقوق هذا الوطن الَّذي أعطاهم حق الحياة فيما أعطى، ومعناه أيضًا أنهم قوم جَمدوا على سياسة لا يحسنون غيرها ولا يفهمون الأشياء إلا على أسلوبها. وهو أخسُّ الأساليب، ومعناه أيضًا أنهم يجهلون معنى خروجنا من أسر المفاوضات وارتفاعنا بقضية وادي النيل إلى مجلس الأمن أو هيئة الأمم المتحدة. ولو همْ نفوْا من صدورهم هذه الشحناء القديمة البغيضة لأدركوا موقف مصر والسودان حق الإدراك. فالأمم لا ترتفع إلى مجلس الأمن أو هيئة الأمم إلا في القضايا التي تهدد السِّلم العالمى، أي التي يخشى أن تجر إلى حرب مبيدةٍ بين الأمم، فإذا ارتفعت أمتان إلى المجلس أو الهيئة لكي يحكم بينهما؛ فمعنى ذلك أنهما قد بلغا مبلغًا يمكنُ أن يسمى "حالة حرب" كما يقولون اليوم، وإذن فاحتكامنا إلى مجلس الأمن معناه أن ههنا "حالة حرب" يُرادُ من مجلس الأمن أن يتداركها. فإذا كان ذلك كذلك فهل في عقل عاقل أن تكون أمة في ساعة أشبه بساعة حرب، فإذا رجال من قادتها يقومون ليتنابزوا بالألقاب ويتكايلوا بالتهم، ويتدافعوا بالبغضاء، ويبسطوا ألسنتهم في حديث الماضي الَّذي عفَّى عليه الزمن حين عفَّى على أسبابه وهي المفاوضات التي كان قوم يستأكلون بها كراسي الوزارات ومقاعد البرلمان؟

ألا فليعلم هؤلاء جميعًا أننا لا نريد أن ننصر قومًا على قوم فما بنا إلى أحد منهم حاجة، وأننا إنما نريد لهذا الوطن أن يخرج من المحن منصورًا مؤزّرًا ظافرًا بالحق المسلوب. إن مصر والسودان قد أعلنت على بريطانيا -باحتكامها إلى مجلس الأمن- ما يمكن أن يسمى حربًا بغير سلاح، فكل مصر سوداني هو اليوم جندي منوط به حراسة الثغرات التي يتدسس منها العدوّ الأكبر وهو بريطانيا، لا فرق بين كبير وصغير، ولا زعيم ولا تابع، فأهل هذا الوادي جميعًا يدٌ واحدةٌ وسواسيةٌ كأسنان المشطِ في التكليف الَّذي كلفوا به، وعلى كل منهم أن يبذل ما وسعه من النصيحة والمشورة اللذين سيتولون الدفاع عن حق الوطن في ذلك المكان الَّذي سنحتكم إليه.

وخيرٌ لأولئك الذين يقولون: إن فلانا هذا لا يصلح لعرض القضية المصرية