بما يريدون وتصبرُ على إذلالهم لها صبرًا لم يعرفه قط تاريخ بريطانيا التي كانت تسمى رجال العرب المجاهدين "رجال العصابات"، ونرى روسيا وفرنسا تلوذان بالصمت المطبق لا تقول ولا تنبس ولا تتحرك دفاعًا عن الحضارة، ولا دفاعًا عن الهضيمة التي تراد بالإنسانية، كما تحركت من قبل.
وهذه تونس والجزائر ومراكش تجرى فيها المذابح الوحشية التي لم يعرف التاريخ مثلها. فتسيل دماء أربعين ألف عربي ما بين عشية وضحاها، بين سمع سفراء الدول وبصرها، فلا نرى أمريكا ولا بريطانيا ولا روسيا تثور أو تغضب أو تقول، وتمضي فرنسا الباغية تنفذ سياستها في تدمير شعوب برمتها. تدمر حضارتها وماضيها وقواها وتستل الأرواح من أبدانها بالسلاح غدرًا وغيلة، وتمتهن الرجال وتسب الأديان وتفتك بالأحرار، ويرى ذلك ويسمعه سفراء أمريكا وبريطانيا وروسيا المدافعات عن الحرية وعن الحضارة وعن الإنسانية.
نعم، وهذه فرنسا أيضًا تقيم الولائم للسباع والوحوش في جزيرة مدغشقر، فتفتك بأهل الجزورة فتكا لا رحمة فيه ولا هوادة والعالم كله يسمع، والإشاعات تتناقل خبر المجازر وتسميها "إخماد ثورة" وتقف بريطانيا صامتة عليها الوقار، وتدير أمريكا ظهرها قد شغلتها هيئة الأمم المتحدة التي تنظمها للدفاع عن حريات البشر ورد البغي عنهم! وتنكب روسيا على إصلاح معايش خلق الله ورفع الضَّيْم عنهم بالمساواة بينهم في حقوق الحياة!
وهذه بريطانيا ترتكب شر الأفاعيل في السودان وفي إفريقية، وتقول لأمريكا وفرنسا وروسيا إني أريد أن أكفل لهؤلاء الناس استقلالهم، أريد أن أرد عنهم اعتداءَ بني جلدتهم الطامعين في استعمارهم، وأريد أن أترفق بهم حتَّى أرفعهم من حضيض الجهالات لكي يصبحوا شيئًا في تاريخ هذه الإنسانية، فهي تقتل منهم كما تقتل السائمة، وتدعهم عراة بل تجبرهم على أن يظلوا عراة ليخرجوا لها من ثمرات الأرض ما يرفع مستوى معيشتهم. وتعرف ذلك أمريكا وفرنسا وروسيا فيقولون لها أن نعم، ولك الشكر، ونعم ما تفعلين!