في قلب المجتمع الإنساني. أمثال يكون فيها الأفراد هدفًا منصوبًا لاضطهاد جماعة الأمة أو الشعب، وأمثال تكون فيها الأمة هدفًا لاضطهاد جماعة الدول أو الشعوب.
فليس في الأمم اليوم أمة لا تتداعى وشادى باسم الحرية: حرية الفرد، وحرية الفكر، وحرية العقيدة، وحرية التجارة إلى آخر هذا الحشد من الحريات، فهي بذلك تقرر جميعًا أن الحرية أكبر أغراضها، وهذا طبيعي، لأن الحرية هي إحدى الطبائع المستقرة في الإنسان الفرد، وهو يطلبها طلبًا حثيثًا ملحًّا، حتَّى ولو اضطر أن يستعبد نفسه لعمل يكدح في سبيله طول حياته، ولكن غايته من هذا الكدح هي أن يتحرر من الكدح وهذا إحدى عجائب الطبيعة البشرية.
نعم إن الحرية غاية الفرد التي يسعى إليها وهو وحيد في مشاعره وفي بعض وجوده، ولكنه إذا صار فردًا من جماعة كان للجماعة سلطان على هذه الحرية وتصرفها، وهو شيء من حقها أيضًا. ولكنها إذا أرادت أن تتعسف وتحرمه حريته فقد أساءت من حيث أرادت الإحسان، ولا تكون الجماعة رشيدة حتَّى تعرف أن الحرية حاجة طبيعية لابد للفرد من الاستمتاع بها على وجه من الوجوه، فلابد إذن من أن تتيح أوسع ما يمكن من مجال تتصرف فيه الحرية على الأسلوب الَّذي يجعلها وافية بحاجته الطبيعية. ومن هنا يأتي الفرق بين نظام ونظام، فيكون هذا بغيضًا مملولا، وذاك محببًا مألوفًا.
والأمم اليوم في جماعة الدول بمنزلة الأفراد في الجماعة، فلابد للنظام الَّذي يريد أن يكون محببًا مألوفًا من أن يتيح للأمم جميعًا أوفر قسط من الحرية يتيح لها أن تتصرف على الأسلوب الَّذي يجعل الحرية وافية بحاجتها الطبيعية، فإذا لم تفعل ذلك جماعة الدول انتقضت الأمم المسلوبة حريتها ورأت ذلك النظام بغيضًا مملولا، وكرهته وكرهت أهله، وصارت حربًا على الجور والعسف حتَّى تنال حريتها وتستمتع بها طبقا لحاجتها الطبيعية. ومن أجل ذلك فيما زعموا، أنشأوا هيئة الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية.
ولكن ماذا نرى من فعل جماعة الدول اليوم؟ إنها جميعًا قد أنكرت بأسلوب