الأجانب الذين عاشوا في مصر طويلا أو قليلا، ليجلسوا في المجالس ويذيعوا أن بلادنا وبلاد العرب جميعًا تسيء اليوم إلى الأجانب. ويعنون بذلك أنَّه منذ جلا الإنجليز عن جزء من مصر، صار المصريون وحوشًا مفترسة تعتدى على الأجانب وتهينهم وتزدريهم قولا وفعلا. وكل ذلك يتناقله المراسلون الصحفيون من المرتزقة، ويرسلونه ليذاع في الصحف في جنبات الأرض. ونحن نعلم علم اليقين أن هذا ليس من فعل المرتزقة أنفسهم، بل هو من حث بعض الدول وإغرائها لهم بأن يقولوا هذا ويذيعوه ويتناقلوه بينهم وبين من يلقون.
هذا، والأجانب أنفسهم قد عاشوا في مصر مع بريطانيا خمسًا وستين سنة، وهم يمتهنون المصريين ويسيئون إليهم في أنفسهم وأموالهم وأرضهم وعقائدهم، حتَّى ألفوا هذا النوع من الغطرسة، فلما جئنا اليوم نأباها عليهم كما تأباها بريطانيا وأمريكا وكل بلد قل شأنه أو ارتفع، تصاخبوا علينا، وراحوا يبسطون ألسنتهم وأفعالهم فينا وفي أخلاقنا وعاداتنا، فإذا أراد أحدنا أن يكفكف من شر أحدهم، انطلق يزداد صخبًا وجلبة يستصرخ الدنيا كلها على هؤلاء المتوحشين الذين يسمون المصريين. ومع ذلك فمصر منذ عشر سنوات هي مصر اليوم لم يزد ما كان يلقاه الأجانب أمس فيها من رد وقاحتهم وجرأتهم علينا، على الَّذي يلقونه اليوم من ذلك، ولكنهم سمعوا ألسنة هؤلاء المرتزقة تذيع عنا الأباطيل، فانطلقوا يتصايحون علينا كأننا صادرنا أموالهم وأجليناهم عن بيوتهم، ونصبنا لهم المشانق، وأعملنا فيهم استئصال الشأفة كما كان يفعل طاغية ألمانيا باليهود! !
ثم تأتي المرتزقة من المراسلين فتزعم أن بلادنا قد أصبحت متطرفة في الحماسة للحرية، وأن كلمة "مصر للمصريين" قد أصبحت أهم كلمة في مصر، ويقوم صعلوك منهم يقول:"ولذلك لا يعجب المرء كثيرًا حينما يراهم (يعني المصريين) قد ضلوا الطريق! ولكننا نعجب حينما نتساءل: إلى متى سوف يستمرون في اندفاعهم الَّذي لا يكبح جماحه من أجل الحرية؟ ".
ونحن نأسف لأن الشعب المصري لا يزال هادئًا صابرًا على كل هذه الوقاحة