عشتُ بنفسٍ مُجْدِبة قد انصرفَ عنها الخصب، ثم رحمَ الله نفسي بزهرتين تَرِفان نضْرة ورواء. كُنْتُ أجدُ في أنفاسهما ثروة الروضة الممْرعة فلا أحسُّ فقر الجدْب!
أما إحداهما فقد قطفتْها حقيقةُ الحياة، وأما الأخرى فانتزعتها حقيقةُ الموت، وبقيت نفسي مجدبة تستشعِرُ ذلَّ الفقر.
* * *
تحت الثرى. . . . عليك رحمة الله التي وسعتْ كلَّ شيء، وفوق الثرى. . . . عليَّ أحزان قلبي التي ضاقت بكل شيء؛ تحت الثرى تتَجَدَّدُ عليكَ أفراحُ الجنَّة؛ وفوق الثرى تتقادمُ عليَّ أحزان الأرض!
تحت الثرى تتراءى لرُوحِك كل حقائق الخلود وفوق الثرى تتحقَّقُ في قلبي كلُّ معاني الموت. لم أفقِدْك أيها الحبيب ولكنِّي فقدت قَلْبي
* * *
حضَرَ أَجلك، فحضرتني همومي وآلامي.
فبين ضلوعي مأتم قد اجتمعت فيه أحزاني للبكاء؛ وفي روحي جنازة قد تَهَيَّأَت لِتَسير؛ وعواطفي تُشَيِّعُ الميت الحبيب مُطرقة صامتة؛ والجنازة كلها في دمي -في طريقها إلى القبر وفي القلب. . . . في القلب تُحْفَرُ القبورُ العزيزة التي لا تُنْسَى
* * *
في القلب يجد الحبيب روحَ الحياة وقد فرغ من الحياة؛ وتجد الروح أحبابها وقد نأى جُثْمَانها.
في قلبي تجد الملائكة مكانًا طَهَّرَته الأحزان من رجس اللذات.
وتجِدُ أجنحتها الروح الَّذي تهفهف عليه وتتحفَّى به.
هنا. . . . في القلب، تتنزَّل رحمة الله على أحبابي وأحزاني، ففي القلب تعيش الأرواح الحبيبة الخالدة التي لا تَفْنَى، وفي القلب تُحْفَزُ القبور العزيزة التي لا تُنْسَى.