١٨٩٩ التي فرضتها بريطانيا على مصر والسودان على يد رئيس وزراء كان خليقًا أن يخون بلاده، ثم جاء الموقعون على معاهدة سنة ١٩٣٦ فقبلوا أن يكون لهذه الاتفاقية الباطلة التي لم تعترف بها مصر قط -ذكر في معاهدتهم الوبيلة الخبيثة. فلو كان الشعب يومئذ على ذكر لما كان من شئون الخونة السابقين وما فعلوه، لما جازت عليه الكلمة الملعونة في معاهدة سنة ١٩٣٦، ولثار يومئذ على هؤلاء الزعماء لأنهم أهدروا كل جهاده الماضي، وكل ما أراق من دماء وأضاع من جهود، وأنفق من سنين بنص موبوء في معاهدة موبوءة.
ولن نفرغ من ذكر العبر الكثيرة التي توحي بها هذه الساعات في المعركة الفاصلة بيننا وبين بريطانيا في مجلس الأمن وفي كل عبرة من هذه العبر خير كثير يرجى أن لا يفوت العرب إذا حذروا وانتبهوا وآثروا السلامة مما وقعنا نحن فيه. ومن حسن الحظ أن أكثر زعماء العرب اليوم من مراكش وتونس والجزائر وليبية وفلسطين والعراق هم اليوم أشد إحساسًا من أسلافهم بالتبعة الملقاة على كواهلهم، وأقوى إيمانًا بالحقوق الإنسانية من بعض زعمائنا في الماضي، ولكن ينبغي لهم أن يجتنبوا كل الاجتناب أن يقبلوا مفاوضة الغاصبين أو معاهدتهم أو الدخول معهم في حديث السياسة والكياسة واللباقة، فإن هذا وإن أفاد قليلا، فإنه شر مستطير على مستقبل الشعب في الشئون السياسية، وفي النواحي الأخلاقية. وحسب هؤلاء الزعماء العرب ما جربته مصر من مطاولتها والمد لها أكثر من تسع وعشرين سنة باسم المفاوضات والمعاهدات، حتى فقد الشعب كثيرًا من إيمانه بحقوقه، ولولا أن الله أتاح لنا هذه الحرب الأخيرة لتنفض عن عيوننا النوم والتخدير الذي أصابها باسم المفاوضة لظللنا إلى اليوم نيامًا تجرنا بريطانيا وراءها طمعًا منا في أن ننال شيئًا من حقوقنا بمفاوضتها ومعاهدتها.
أيها الزعماء العرب لا تخونوا بلادكم: أي لا تفاوضوا بريطانيا أو سواها من الدول المستعمرة ولا تعاهدوها ولها في بلادكم ظل من سلطان، ولا تخافوها ولا تخشوا لها بأسًا ولا قوة واحرصوا على أن تبقى شعوبكم عالمة بحقيقة ما يحيط بها بكل أسلوب تستطيعونه، وإياكم والحكم فإنه الفتنة المبيدة والآفة