للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لحريتنا واليهود يتعصبون لعدوانهم جهارًا؟ إن العرب قد عاشوا على ظهر هذه الأرض أكثر من ثلاثة عشر قرنًا فكانوا أمةً وسطا لم تظلم ولم تضطهد، بل نصرت المظلوم وآوت المضطهد، ورفعت النير عن رقاب الأمم مجوسها ونصاراها ويهودها، حتى جاء أمر الله وذهبت ريحهم وغلبت عليهم الأمم. فتاريخ العرب كله دليل على أن هذا الجيل من الخلق يأنف أن يظلم وأن يضطهد، ولكنه يأنف أيضًا أن يقبل الظلم والاضطهاد، فإذا رد الظلم عن نفسه ودفع الاضطهاد عن حماه، وحمى حوزته دون عدو باغ، أو توقى شرًا يوشك أن يتوغل في قلب حياته، فما يفعل ذلك عن تعصب أو حقد أو جهالة، بل هو الحق ووسائل الحق!

وإذا كان فيما نفعله، أو فيما يحب أن نفعله، شيء يؤخذ على أنه صرامة وشدة وحنبلية متزمتة، فبما اضطررنا إليه فعلناه. وإليك مثلا هذه الدول العربية التي بدأت تضج ضجيج البعير آذاه العبء الفادح من غول الاستعمار الأدبي والسياسي والاقتصادي، والتي بدأت تعرف أن كل باب من أبواب الحياة قد وقف عليه ديدبان من اليهود أو من الأجانب الطارئين، ليذودوا العربي عن الانتفاع ببلاده التي هي له ملك متوارث منذ أقدم عصور التاريخ -يذودونه عن الانتفاع بتجارة بلاده، لأن شياطين التجارة ومردتها فئة من هذه اليهود وهذه الأجانب، ويذودونه عن الانتفاع بمعادن أرضه، لأن أبالسة الحديد والنار هم أصحاب المناجم في أرضه وبلاده، ويذودونه عن الانتفاع بقوى شعبه، لأن خزان المال من اليهود والأجانب يضربون العمال بالفقر والذل والبؤس، ولا يدعون لهم متنفسًا، ولا طريقًا إلى بلوغ المستوى الذي يحق لهم بجهودهم التي يجودون بها، فتكون لليهودي والأجنبي غنى ومالا وثروة وعجرفة وتغطرسًا على هذه الأمة العربية، ونكبة وبلاءً واستعمارًا كأنه جوامع (١) من غليظ الحديد مضروبة في أوتادها الراسخة في جوف الأرض العربية. هكذا هو، فماذا تفعل هذه الدول؟


(١) الجوامِع: جمع جامِعَة، وهي القَيْد، سُمِّيت بذلك لأنها تجمع اليَدَيْن إلى العُنُق.