ترتكب مثلها أمة من الأمم المتوحشة فضلا عن الأمم الجاهلة، فضلا عن الأمم المثقفة التي تدعي أنها حارسة الحضارة الإنسانية والقائمة عليها -تلك هي إقحام شعب على شعب آخر ليجليه عن بلاده، وليستذله، وليستعبده. إن هذه الدول جميعًا تعلم أن هؤلاء اليهود هم أبشع خلق الله استبدادًا إذا حكموا، وهي تعلم أنهم خلق قد خلت نفوسهم من كل الشرف والنبل والمروءة، وأنهم خلق تملأ قلبه العداوة والبغضاء والحقد على البشر جميعًا، وأنهم خلق لا يتورع عن شيء قط يرده عن اقتراف أحط الآثام في سبيل ما يريد- إنها تعلم هذا وأكبر منه وأشنع، ومع ذلك فهي تريد أن تطلق هذه الوحوش الضارية من غابات الجهل والعصبية والحقد، لتعيث في هذا الشرق الأوسط كله بفجورها وبغيها وضراوتها، فتهدم ما تهدم، وترتكب ما ترتكب، باسم الحضارة والمدنية والثقافة. . . فيا لها من جريمة! يا لها من جريمة أيتها الأمم الحارسة لتراث الحضارة الإنسانية! !
ثم بقى شيء وراء ذلك كله، ينبغي لكل عربي أن يعلمه، ولاسيما أولئك الذين يتعرضون اليوم لسياسة هذا الشرق العربي، وهذا الشرق الإسلامي كله -هو أن أقدام هذه الدول الثلاث على مناصرة المجرمين الصهيونيين تنطوي على معنى قد استقر في أنفسهم وغلب عليها، وهو احتقارهم للعرب وازدراؤهم لهم ولمدنيتهم ودينهم وحضارتهم واجتماعهم ودولهم وملوكهم، وقديمهم وحديثهم، وأن هذا لبان ارتضعوه منذ كانت الحروب الصليبية، وأن الثقافة والعلم وسهولة اتصال الأمم بعضها ببعض، كل ذلك لم يغير شيئًا من عقائد الصليبية الأولى في هذا الشرق العربي، وكل ذلك لم ينفع شيئًا في نزع السم الذي اختلط بالدماء وجرى في العروق مع نسمات الهواء ومضغات الغذاء. وأنه لولا هذا الداء القديم، وهذه العلة المستعصية، لما ارتضت هذه الدول أن تبدى كل هذه الجرأة على الحق في مشكلة فلسطين، بل لوقفت كما وقفت من قبل في مسألة دانزيج وغيرها مناصرة لحق الناس في الحرية كما تزعم. هذا معنى لا يفوت عربيًا مسلمًا كان أو نصرانيًّا، لأن هذه الدول تتصرف بأحقاد جاهلة عمياء، لا ببصر وتمييز وعدل.