الحقوق. ونحن لا نطالب المستعمرين بشيء، لأنهم لا يملكون شيئًا هم قادرون على أدائه. إنهم مغتصبون، ونحن ثوار على هذا الغصب، وهم طغاة ونحن لا نقبل هذا الطغيان، وهم يملكون أسباب القوة المادية ونحن نملك أسباب القوة الروحية، وهم ظُلَّام ونحن لا نرضى بهذا الظلم، وهم يتحكمون بالاستعمار والاستعباد، ونحن نتعالى عن الاستعمار والاستعباد. فهذه القوة التي انطوى عليها حقنا، يقابلها ضعف ينطوى عليه افتياتهم علينا. ومصير ذلك كله إلى الغلبة والنصر إذا أحسن رجالنا الاستعداد لهذه الموقعة الفاصلة في تاريخ البشر.
لم يبق شيء في تاريخ البشر يحمل طابع الفساد والبوار والدمار، إلا هذا الجشع الذي يحمل أمم الغرب على أن يضعوا أيديهم على كنوز العالم؛ ليقاتل بعضهم بعضًا في حرب مبيدة مدمرة. وقد عرف هذا الغرب أن الشرق كنوز كله؛ فهو يجاهد أن يستولى عليها بما استطاع من الحيلة ومن اللؤم، ومن إهدار الكرامة الإنسانية، ومن قلة المبالاة بإفساد هذا الشرق وإفساد أهله حتى ينال منه منالًا يكفل له حرية التصرف في كنوزه. فعلينا أن نقف حُراسًا على كنوزنا لا نبيحها بعد اليوم لأحد. وعلى رجال السياسة منا أن يغيروا مناهجهم السياسية تغييرًا تامًّا يقوم على أساس واحد، هو أننا لن نعاون هذا الغرب على الفجور في الأرض، وأننا نمنع عنه مادة الفساد التي يريدها لتدمير حضارات العالم، وأننا قد عزمنا أن ننشيء مدنيّة جديدة وحضارة جديدة لا تقوم على الجشع ولا على الاستبداد. وأننا أحرار في بلادنا كل الحرية وإن اجتمعت دول العالم كله على إنكار هذه الحرية. ولا يصل العرب والمسلمون إلى هذا إلا بشيء واحد هو أن تجتمع الكلمة في الأرض العربية والأرض الإسلامية على هذا الشيء الواحد، وهو أن لا مفاوضة ولا معاهدة ولا مخابرة ولا مهادنة، وأن الشرق لن يستقر على قرار حتى تجلو الجنود المستعمرة عن أراضيه كلها، وأن كل عون للاستعمار في هذا الشرق من الأجانب واليهود الصهيونيين قد كتب عليهم أن يخرجوا من بلادنا إلى حيث شاءوا، وأننا لن نقبل دون هذا شيئًا يصرفنا عن الغرض الأعظم، وهو تجديد حضارة العالم على أسس من العدل والحق والمساواة والحرية. هذا هو المطلب الأعظم الذي ينبغي أن توجه إليه سياستنا كلها، لا تخدعنا عنه خطرفة