للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الغرب وامتحنت بهم الحضارة الغربية. ولست أشك ساعة في أنهم لا خير فيها البتة، مهما دل ظاهر تدليسهم أو تدليس الصحافة بأسمائهم على أنهم يفعلون خيرًا أو أنهم سوف ينتهون إلى خير ولست أرتاب البتة في أن الخير كل الخير هو في زوالهم جملةً واحدة من مكانهم، لكي يتسنى لهذه الشعوب العربية والإسلامية أن تهتدي إلى الحق في حياتها وفي جهادها وفي أهدافها.

وأنا أعلم أن رجال العلم من أي أقسامه كانوا، لا يزالون يتعبَّدون أنفسهم لكثير مما لا نفع فيه لأممهم، بل لعلهم لا يزالون يترفعون عن هذه الشعوب الفقيرة الجاهلة، والتي هي شعوبهم، ظنًّا منهم أنها شعوب لا تستطيع أن تبلغ ما بلغ الناس في العلم، فضلا عن أن يدركوا سوابق العلماء في هذه الفترة من زماننا، فضلا عن يسبقوا أمم الحضارة الحاضرة في ميدان هذه العلوم. وهم في خلال ذلك -إلا من عصم الله- يبسطون ألسنتهم بسطًا شديدًا في أعراض هذه الشعوب، فيقرفونها بكل مَسَبَّة، ثم يصرفون وجوههم إلى أوربة وأمريكا وغيرهما كأنما هم منها ومن صميمها، لا من هذه الشعوب البائسة التي ظنوا أن الموت كتاب محتوم عليها.

وأنا أعلم أن أكثر أهل السلطان في هذا الشرق، لا يزالون يعيشون في عزلة لا يبالون قليلا ولا كثيرًا بما فيه خير بلادهم، وأنهم يحتقرون جماهير الشعوب احتقارًا ينسرب في خاصّ كلامهم كما ينسرب في أكثر أفعالهم. وهم فئة قليلة فتنتها النعمة والترف واللذاذات، حتى ما تبالى أن تصب على أممها ضروبًا من المظالم كان ينبغي أن تترفع عن ارتكابها، لا رحمة بالناس، بل مخافة من الناس، فالشعوب إذا هاجها ما [يهيجها] لم تبق على شيء وإن كان في بقائه خيرها.

وأنا أعلم أن أهل الدين -إلا من رحم ربك- قد رَمْوا بدينهم ظِهريًّا، وإن لبسوا لباسه وتشبهوا على الناس وغرَّوهم باسم هذا الدين. وهم يأكلون باسم الدين نارًا حامية، وهم قد فقدوا بفقد آداب هذا الدين كل شيء يجعل لهم عند الناس مكانة ترفعهم عن الشبهات، وبذلك أصبحوا كالعامة التي تحتاج إلى من يقودها ويهديها.