الجاحظ وآرائهِ فأنت تخرج منهُ بصورة واضحة (انظر الصورة) لشكلِه وتعليمهِ ورزقي وبسطة جاههِ ومقامهِ الأدبي ورأيه في المعتزلة والكتب التي صنفها والمؤلفات التي نسبت إليه. وعنى الثاني عناية بدرس أدب الجاحظ وطريقتهِ في البحث والتحقيق والنقد وتحليل شعوره الدينى ونواحي أدبهِ من الضحك إلى التهكم إلى الصنعة إلى الفن وغير ذلك. فإذا استعملنا التعبير الغربي قلنا أن الأول تاريخ خارجى للجاحظ والثاني تاريخ داخلي. وكل منهما مكمّل للآخر.
* * *
وقد حقق المؤلف مولد الجاحظ فرأى أن يعتمد النص الذي جاءَ به الجاحظ قال (صفحة ٢٠) نقله إلينا ياقوت في معجمهِ فقد روى أنهُ قال: أنا أسنُّ من أبي نواس بسنة ولدت في أول سنة ١٥٠ هـ (٧٦٧ م) ووُلِد في آخرها" وليس بعد هذا -في رأي المؤلف- نصٌّ يعتدُّ بهِ.
ثم أظهرنا في الفصل الثالث على صورة من أساليب التعليم في ذلك العصر قال:
"فقد كان الرجل يبعث بولده إلى كتاب الحي فيتعلم فيهِ مبادئ القراءة والكتابة، ويشدو شيئًا من قواعد النحو والصرف، ويتناول طرفًا من أصول الحساب، ثم يستظهر كتاب الله الكريم استظهارًا تامًّا مجوّدًا مرتلًا، وهو في خلال ذلك يتردد مع أترابه على القاص فيسمع منهُ أحداث الفتوح، وأنباء المعارك، وأخبار الأبطال، ومقاتل الفرسان، ومفاخرات الشجعان، وسير الغزاة والفاتحين، ممزوجًا ذلك بالمواعظ والعبر وإيراد أحوال الصالحين وأطوار الزهاد والنساك والمتقين. وبعد أن يأخذ من كل طرف من هذه المعلومات نصيبهُ الكافي يولى وجهه شطر حلقات الدرس بالمساجد العامة، والمعاهد الجامعة، والمدارس الخاصة فيقوم من حلقة الفقيه إلى حلقة المحدِّث، ومن مجلس اللغوى إلى سارية النسَّابة، ومن حضرة الأخبارى إلى دارة المتكلِّم، ومن معهد المنطقى إلى مجمع الفلسفي، ومن محفل الأديب إلى قاعة المهندس، ومن بين يدي المفسِّر إلى حظيرة الأصولى، ومن غرفة الراوية إلى بيت الشاعر، ومن ديوان