جلاله-، ورب رجل صافٍ كنور الفجر يخبأ من ورائه مظلمة من سواد الليل.
ولقد عرفنا الرافعي زمنًا -طال أو قصر- فأحببناه ومنحناه من أنفسنا ومنحنا من ذات نفسه، ورضيناه أبًا وأخًا وصديقًا وأستاذًا ومؤدبًا، فلم نجده إلا عند حسن الظن به في كل أبوته وإخائه وصداقته وأستاذيته وتأديبه. ولقد مات الرافعي الكاتب الأديب وهو على عهدنا به إنسانًا نحبه ولا ننزهه، ثم جاء الأستاذ سيد قطب بحسن أدبه يقول في الرجل غير ما عهدناه. . . . يؤوّل كلامه ويأخذ منه ويدع ويتفلسف ويحلل ويزعم القدرة على التولج في طويات القلوب وغيب النفوس فيكشف أسرارها ويميط اللثام عما استودعن من خبيئاتها، ثم هو في ذلك لا يتورع ولا يحتاط، ولا يَرعى زمام الموت (١)، ولا يوجب حق الحي.
لقد كتب الأستاذ ما كتب، فقرأ كلامه من قرأ، أَفَيجدُ في هؤلاء من يقول له أصبتَ؟ ومن يقول له أحسنت؟ ومن يزعم أن ليس له مندوحة عما اتخذ من اللفظ في ذكر الرافعي وصفته والحديث عنه وعن أدبه وشعره؟ أما يجدر بالأستاذ الفاضل أن يعود إلى بيته هادئ النفس مخلى من حوافز الحياة الدنيا، فيقرأ ما كتب مرة أو مرتين. ثم يرى هذا الذي ترك الدنيا بالأمس وحيدًا، وخَلَّف من ورائه صغارًا وكبارًا من أبنائه وحفدته وأصحابه واللائذين به، ثم يراهم يقرأون ما يكتب عن أبيهم وجدهم وصاحبهم بالأمس، ثم يراهم والدمع يأخذهم بين الذكرى المؤلمة والألم البالغ! ولو فعل، لعرف كيف أخطأ ومن أين أساء، ولوجده لزامًا عليه أن يقدر عاطفة الحي، إن لم يعظِّم حرمة الموت، وهذا أمر لا نطيل القول فيه ولا نكثر من لوم الأستاذ عليه، فإن مرجعه إلى طبيعته وما تضمره نفسه، وإلى تقديره لعواطف الناس.
ومهما يكن من شيء، فسندع الأستاذ سيد قطب يقول ما يقول، ويذكر من رأيه في الرافعي ما يذكر، ويصف أدب الرجل وذهنه وقلبه ونفسه بما يوحى إليه،